الباحث عن الحق
*من البابا يوساب إلى البابا تواضروس: الكنيسة القبطية بين السياسة والصراع والهوية (1952–2025)*
في قلب التاريخ المصري الحديث، تقف الكنيسة القبطية الأرثوذكسية شاهدة على تحولات سياسية عميقة، من حركة ضباط يوليو 1952
إلي ثورة 30 يونيو 2013، ومن الصراع إلى الشراكة الوطنية. وبين البابا يوساب الثاني، البطريرك الـ115، والبابا تواضروس الثاني، البطريرك الـ118، تتكشف فصول من التحدي والصمود، والبحث عن مكان آمن للهوية القبطية في وطن متغير.
. البابا يوساب الثاني: تحديات مرحلة مضطربة*
بعد يوليو 1952، دخلت الكنيسة القبطية في دوامة من التوترات الداخلية والخارجية. ظهرت جماعة الأمة القبطية، وبلغت الأزمة ذروتها في واقعة اختطاف البابا يوساب، وهي حادثة غير مسبوقة في تاريخ الكنيسة. كما أن بعض المطارنة اتخذوا مواقف معارضة له، بدوافع متعددة، ما مهّد لمحاولات التأثير على الكرسي البابوي.
في قلب هذه المرحلة، برز اسم الوزير جندي عبد الملك، وزير التموين في حكومة الرئيس جمال عبد الناصر، وكان من أبرز الشخصيات القبطية في الدولة آنذاك. وقد قام بمحاولات تشويه صورة البابا يوساب عبر مقالات صحفية وانتقادات علنية، إلى جانب تشكيل مجلس ملي معين له صلاحيات واسعة في إدارة الشؤون المالية والإدارية للكنيسة.
كانت هناك توجهات رسمية لإعادة تنظيم إدارة الأوقاف الكنسية، وسط مطالبات بحقوق دستورية متساوية للأقباط، ما أدى إلى إعفاء البابا يوساب، وانتهت خدمته للكنيسة وشعبها في ظروف غير واضحة عام 1956.
* البابا كيرلس السادس: عهد الصلاة والهدوء*
بعد مرحلة الاضطراب، جاء البابا كيرلس السادس (1959–1971) ليعيد للكنيسة هيبتها الروحية. كانت علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر تتسم بالاحترام المتبادل، وقد زاره عبد الناصر في المقر البابوي، وشارك في افتتاح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية عام 1968، في حدث تاريخي تزامن مع وصول رفات القديس مار مرقس من روما إلى مصر.
في عهد الرئيس أنور السادات، استمرت العلاقة الطيبة، حيث كان البابا كيرلس يُنظر إليه كرمز للزهد والتقوى، ولم يدخل في صراعات سياسية، مما حافظ على استقرار الكنيسة في تلك الفترة.
*. البابا شنودة الثالث: من التصادم إلى التوازن*
مع انتخاب البابا شنودة الثالث عام 1971، بدأت الكنيسة مرحلة جديدة من الانخراط في الشأن العام. في البداية، كانت العلاقة مع الرئيس السادات ودية، لكن سرعان ما توترت بسبب أحداث طائفية أبرزها حادثة "الخانكة" عام 1972، ورفض البابا شنودة زيارة إسرائيل بعد توقيع اتفاقية السلام، مما اعتبره السادات موقفًا سياسيًا معارضًا.
في سبتمبر 1981، أصدر السادات قرارًا بالتحفظ على البابا شنودة في دير الأنبا بيشوي، وتشكيل لجنة لإدارة الكنيسة. هذا القرار كان ذروة الصدام بين الكنيسة والدولة، وانتهى بوفاة السادات بعد شهر واحد.
*عهد مبارك: عودة الهدوء والتفاهم*
في عام 1985، أصدر الرئيس محمد حسني مبارك قرارًا بعودة البابا شنودة إلى منصبه، بعد أربع سنوات من العزلة. العلاقة بينهما اتسمت بالهدوء والاحترام، رغم بعض التحديات. ولكن مبارك كان منصفًا للبابا شنودة حتى "على حساب الأجهزة" في بعض المواقف.
البابا شنودة أكد أن الكنيسة لا تطالب بامتيازات، بل بالمواطنة الكاملة. العلاقة بين الكنيسة والدولة في عهد مبارك كانت مستقرة نسبياً ، وإن ظلت محاطة بالحذر السياسي.
* البابا تواضروس الثاني والرئيس السيسي: نموذج الشراكة الوطنية*
مع تولي البابا تواضروس الثاني عام 2012، والرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2014، بدأت مرحلة جديدة مميزة من العلاقة بين الكنيسة والدولة، اتسمت بالاحترام والتعاون.
الرئيس السيسي حرص على زيارة الكاتدرائية في عيد الميلاد المجيد، في سابقة تاريخية، وأُنشئت كاتدرائية ميلاد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة، كأكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، بحضور البابا والرئيس.
البابا تواضروس أكد أن الكنيسة شريك في بناء الوطن، وسعت إلى دعم مشروعات اجتماعية وتنموية، والمطالبة بالمواطنة الكاملة للأقباط، في إطار من التفاهم الوطني حيث أن البابا قدم مصلحة الوطن اولا ولا ننسي مقولته الشهيرة " وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن".
**من المواجهة إلى التكامل**
إذا كانت الكنيسة في عهد البابا يوساب الثاني قد واجهت تحديات سياسية وإدارية، فإن الكنيسة في عهد البابا تواضروس الثاني تسعى إلى صيغة وطنية متوازنة، تجمع بين الحفاظ على الهوية الروحية والانخراط في الشأن العام، دون أن تفقد استقلالها أو هويتها.
"مبارك شعبي مصر "
الباحث عن الحق





