(1918 ـ 1987)
الإثنين 27 اكتوبر 2025
كمال زاخر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احتفت الجمعية المصرية للتنوير أمس الأحد بمرور مائة وسبعة أعوام على ميلاد كمال الملاخ، كونه حالة مصرية أدبية صحفية علمية متفردة، جمع بين كونه أديباً وكاتباً وصحفياً وأثرياً، كرس حياته للثقافة والأدب والصحافة، ولم يتزوج، وعبر مواقعه المختلفة خاض العديد من المعارك والمواجهات، والاحباطات، من الذين تنكروا لجهوده، بل واختطفوا ما أسسه لينسبوها لجهات أخرى حال حياته، لعل ابرزها ما حدث للمهرجانات السيمائة الدولية التي انشأها، واستبعاده من اللجنة التي شُكلت لاستكمال الحفريات في موقع اكتشاف مراكب الشمس، التي اكتشفها في الجيزة 26 مايو ١٩٥٤م. وقد أثار هذا الإكتشاف ضجة واهتماماً عالمياً، وذهب الرئيس عبد الناصر لمشاهدتها عقب اكتشافها. وتعد من أهم الاكتشافات الأثرية بعد اكتشاف مقبرة الملك الشاب توت عنخ آمون.
وأعلن معارضته لقرار وزير التربية والتعليم في الستينيات الغاء اللغة الانجليزية من مقررات المدارس، لأنها لغة الاستعمار، وقاد حملة عبر بابه اليومي بجريدة الأهرام ولم يتوقف حتي تم الغاء القرار.
وُلِد «كمال وليم يونان الملاخ» في 26 اكتوبر ١٩١٨م، محافظة أسيوط، وتخرَّج في كلية الفنون الجميلة قسم العمارة في عام ١٩٤٣، ثم حصل على درجة الماجستير في علم الآثار المصرية القديمة ولغتها.
كانت بداياته الصحفية في جريدة «الأخبار»، ورسم يوميات جرائد «الأخبار» و«آخر ساعة» و«أخبار اليوم»، والذي قدمه للصحافة الكاتب الصحفي أحمد الصاوي (الذي أصبح بعد ذلك أول رئيس تحرير مصري لجريدة الأهرام) بعد تخرجه في كلية فنون جميلة كرسام بجريدة الأخبار، وكان قد أعجب قبلها بسنوات برسم الشاب الصغير الذي شارك به في معرض مدرسة السعيدية الثانوية الذي افتتحه الصاوي، وطلب منه أن يمر عليه في مكتبه ولم تنقطع صلته به بعد ذلك.
انتقل إلى جريدة «الأهرام» بصحبة الكاتب والصحفي «محمد حسنين هيكل» في عام ١٩٥٧م، الذي زامله قبلاً محرراً بجريدة الأخبار، وتم تخصص الصفحة الأخيرة من الأهرام لبابه (من غير عنوان) والذي يقدم يرشاقة رؤيته ومقالاته القصيرة، ومن خلالها استطاع أن يقدم الثقافة الأثرية والحضارة المصرية للقارئ العادي، ليخلق وعيا شعبياً بها، إضافة إلى الأخبار المتميزة عن المجتمع والفنون والإبداعات والقضايا المجتمعية، وادخل إلى لغة الصحافة اسلوب الاختصارات (د. دكتور، م. مهندس، التواريخ المهمة المرتبطة بالحدث أو الشخص: الميلاد ، الوفاة، تاريخ الواقعة .... إلخ بالأرقام بين قوسين بعد الاسم مباشرة).
وهو صاحب فكرة ترميم ونقل تمثال رمسيس من ميت رهينة إلي ميدان محطة مصر (باب الحديد) 1955، الذي عُرف بإسمه فيما بعد، ميدان رمسيس، وقام سلاح الاشغالات العسكرية بمهمة النقل آنذاك تحت اشرافه. وبقي به حتي تم نقله مجدداً إلى منطقة الأهرامات، 2006، توطئة لنقله إلى المتحف المصري الكبير ليستقر فيه داخل البهو الكبير، وجاء النقل الأخير في موكب مهيب يليق بعظمة الفرعون المصر، 2018.
وقال عنه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين (كمال الملاخ جعل الناس تقرأ جريدة الأهرام بالعكس من الصفحة الأخيرة إلى الصفحة الأولى). ويذكر أنه هو الذي وجهه لدراسة الآثار. حين كان د. طه حسين مستشاراً لوزيراً للمعارف، والملاخ مدرساً بكلية الفنون، عندما ذهب ليشكو له قرار عميد الكلية بإيقافه عن التدريس.
وبحسه الفني أسَّس «الجمعية المصرية لكُتَّاب ونُقَّاد السينما»، أكتوبر1973م، وأطلق من خلالها مهرجانَ القاهرة السنيمائي 1976، ومهرجان الإسكندرية 1979 واستطاع ان يضعهما على قائمة المهرجانات السنيمائية المعترف بها دولياً. ليصبحا ضمن المهرجانات السنيمائية العالمية التي يتنافس فيها كبريات الكيانات السنيمائية حول العالم للفوز بجوائزها وشهادات تقديرها، وتعيد اسم مصر مجدداً في عالم الإبداع، فضلاً عن مهرجان أسوان للسنيما الأفريقية، 1981، وكان يهدف إلى تقديم الوجه الإبداعي للقارة السمراء لكنه لم يكتب له الاستمرار لعديد من المعوقات وقتها.
مؤلفاته: (32 كتاب) منها:
• «خمسون سنة من الفن»
• «حكايات صيف»
• «صالون من ورق»
• «النار والبحر»
• «الحكيم بخيلًا»
• «كنوز النيل: فن المعابد والمقابر المصرية»
• «قاهر الظلام» الذي يروي سيرةَ حياةِ عميد الأدب العربي «طه حسين».
• «عبد الحليم حافظ والسينما».
• «العصفور يغرد كثيرا ويعزف أحيانا».
• «أنا وهي وباريس».
• «البساط السحري».
• «ييكاسو : المليونير الصعلوك».
• «ترجمة مسرحية التيه للكاتب المسرحي الأمريكي العالمي أوجين أميل.
أصدر الملاخ أيضًا مجموعة من الكتب للأطفال منها:
عروس النيل - أحمس قاهر الهكسوس - تحتمس الرابع - الناصر صلاح الدين - أم كلثوم - حديقة الحيوان.
كما ترجم العديد من الكتب إلى العربية منها كتاب (الإخوان سيف وأدهم وانلي) وهما شقيقان من أبناء الإسكندرية ومن أشهر الفنانين التشكيليين في مصر والعالم.
وكتب المادة العلمية والثقافية لـ 18 فيلماً وثائقياً قصيراً حول الحضارة المصرية القديمة، وبعض المسلسلات الإذاعية حول العديد من قمم الفكر والثقافة والفن المصريين منهم : طه حسين؛ توفيق الحكيم؛ رفاعة الطهطاوي؛ أم كلثوم؛ طلعت حرب.
وكان ل برنامجاً أسبوعياً بالإذاعة المصرية حول الفن التشكيلي ؛ وبرنامج آخر عن الفن السينمائي.
الجوائز والأوسمة :
حصل كمال الملاخ متعدد المواهب على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير داخل وخارج مصر:
وِسام الجمهورية المصرية وتسلَّمه من الرئيس «جمال عبد الناصر» تكريمًا له لاكتشافه الأثري لمَراكِب الشمس.
جائزة الدولة التشجيعية في أدب الرحلات وتسلَّمَها من الرئيس «أنور السادات» عام ١٩٧٢.
شهادة تقدير من الرئيس الراحل أنور السادات 1978.
شهادة تقدير من أكاديمة الفنون بالهرم لجهوده في مجال الإبداع الفني في عيد الفن والثقافة عام 1978
جائزة الدولة التقديرية وتسلَّمها من الرئيس «حسني مبارك» 1982.
وسام الثقافة من أثيوبيا
وسام الاستحقاق الفرنسي .
وسام الثقافة من الحكومة الإيطالية.
وسام الأرز اللبناني: حصل عليه من درجة كوماندور.
رحل «كمال الملاخ» في 29 اكتوبر 1987، كان الميلاد والرحيل في شهر اكتوبر وبينهما تسعة وستون عاماً حافلة بالابداع والتميز والأسى والشموخ والإنكسار والعطاء، ليرسم للأجيال ايقونة مصرية تشكل رقماً بارزاً في قائمة الشخصيات المصرية التي ترجمت سعي التنوير وبناء الوعي إلى حياة معيشة.
السؤال الحائر متي يتم تكريم كمال الملاخ بما يليق بتاريخه وابداعاته كفارس في مضمار الوعي والثقافة والإبداع، سواء من مؤسسة الأهرام الصحفية أو وزارة الثقافة أو وزارة الآثار عبر المجلس الأعلى للآثار؟. وحتي جهاز التنسيق الحضاري الذي تبنى مشروع وضع لافتات تحمل اسم المبدعين الراحلين على جدار محال اقاماتهم سقط من قوائمه اسم كمال الملاخ فهل يعيده إلى ذاكرته؟.





