د/ عايدة نصيف
تُعد سيادة القانون الركيزة الأساسية لأي دولة حديثة تسعى لترسيخ العدالة والمواطنة والمساواة بين أبنائها. فالقانون هو الضمانة الحقيقية لحماية الحقوق وردع التجاوزات، وهو المرجع الذي يلجأ إليه الجميع دون تفرقة في الدين أو المكانة الاجتماعية أو النفوذ.
غير أن بعض الممارسات التقليدية، مثل الجلسات العرفية، قد تُضعف من حضور الدولة وتفتح الباب أمام أحكام غير منصفة، خاصة حينما تُستخدم بديلًا عن القانون أو تُفرض بضغط اجتماعي.
وقد كشفت أحداث قرية الجلف بمحافظة المنيا مؤخرًا عن هذه الإشكالية بوضوح. فبينما شهدت القرية توترًا اجتماعيًا تطلب تطبيق القانون بكل حزم لضمان العدالة،وعقاب المخطىء لجأ البعض عقد جلسات عرفية ، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول مدى مشروعية هذه الجلسات في ظل دولة الدستور والقانون.
إن الجلسات العرفية، خطورتها تكمن عندما تتجاوز اختصاصها وتتحول إلى أداة بديلة عن القضاء. فالقانون وحده هو الذي يضمن تحقيق العدالة على أسس موضوعية، ويُحاكم المخطئ ويُنصف المظلوم وفقًا للإجراءات القانونية السليمة، بعيدًا عن المجاملات أو التوازنات القبلية.
وفي ضوء الدستور المصري، فإن الدولة تلتزم بتكافؤ المواطنين أمام القانون دون تمييز، وتُجرم أي محاولات لفرض أنظمة موازية للعدالة الرسمية. فالدستور هو المرجعية العليا التي يجب أن تسود في مواجهة أي أعراف أو تقاليد تتعارض مع مبدأ العدالة والمساواة.
إن ما حدث في قرية الجلف يُعد جرس إنذار بأهمية تفعيل سلطة الدولة وهيبتها في كل ربوع الوطن، والتأكيد على أن الأمن لا يتحقق إلا بسيادة القانون لا بسيادة العرف.
لذلك، فإن المطلوب اليوم هو مواجهة ظاهرة الجلسات العرفية بوعي مجتمعي وقانوني، من خلال تعزيز ثقافة احترام القضاء، وتكثيف دور مؤسسات الدولة في حل النزاعات، مع محاسبة كل من يحاول فرض حلول خارج إطار القانون.
إن سيادة القانون ليست مجرد شعار، بل هي ممارسة يومية يجب ان تُجسّد مبدأ المواطنة الحقة. وما جرى في قرية الجلف بالمنيا يجب أن يكون نقطة انطلاق لتأكيد أن العدالة لا تُصاغ في الجلسات العرفية، بل تُصنع في ساحات القضاء، حيث الجميع سواء أمام القانون.
نقلا عن فيتو





