نيفين سوريال
الإجهاد العقلي والذهني مع الحزن هو من أثقل ما يمر به الإنسان لأنه يرهق النفس ويضعف الإرادة ويجعل القلب في حيرة دائمة، ولكن الله لا يترك أولاده في ظلمة الفكر بل يفتح أمامهم طريق الرجاء في كل ضيق، لأنه مكتوب في سفر المزامير: "الرَّبُّ قَرِيبٌ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ وَيُخَلِّصُ الْمُنْسَحِقِي الرُّوحِ" (مزمور ٣٤:١٨).
أول ما يحتاجه الإنسان في أوقات التعب هو أن يرجع إلى الله بالإيمان لأن الراحة الحقيقية ليست في الهروب من الضيق بل في الالتجاء إلى حضن الرب الذي قال: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الْأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متى ١١:٢٨).
فالإيمان لا يغيّر الواقع فورًا لكنه يغيّر القلب الذي يرى الواقع، والله لا يطلب منا إلا أن نرجع إليه بثقة كاملة لأنه وحده القادر أن يحوّل الضعف إلى قوة واليأس إلى رجاء. وفي لحظات الإرهاق الذهني يجب أن نتعلم أن نسكت أمام الله لأن في الصمت أمامه تُشفى النفس، كما قال الرب في المزامير: "كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ" (مزمور ٤٦:١٠). لأن الصمت أمامه ليس فراغًا بل لقاء عميق فيه يتكلم الله إلى القلب بصوت لا يُسمع بالأذن بل يُحسّ في العمق.
وعندما يعجز الإنسان عن الفهم أو الحلول فليعترف بضعفه أمام الله، لأن الاعتراف بالضعف هو أول طريق الشفاء الروحي، كما قال القديس أغسطينوس: "قد سقط الإنسان بالكبرياء ولن يقوم إلا بالتواضع".
والله يحب القلب المنكسر أكثر من كل صلاة، فداود النبي قال: "ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ لاَ يَرْذُلُهُ اللهُ" (مزمور ٥١:١٧).
ومن العلاج العملي أن يمتلئ الإنسان كل يوم بكلمة الله لأن الكلمة تُنقّي الفكر وتمنح العقل نورًا في وسط ظلمة الحزن كما قال الرب يسوع: "أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" (يوحنا ١٥:٣). فالذي يعيش في الكلمة لا تغلبه التجربة لأنها تصير له خبزًا روحيًا يغذّي النفس المتعبة.
وفي كل تعب يجب أن نشكر الله حتى وإن لم نفهم لأن الشكر هو إعلان إيمان وسط الغموض، كتب الرسول بولس:
"لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ.
وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (فيلبي ٤:٦-٧).
فالشكر يفتح باب السلام لأن الإنسان الذي يشكر يرى يد الله تعمل حتى في الألم. وأيضًا لا تنس أن تقدم حبًا وعطاءً حتى في وقت ضعفك لأن من يعطي وهو متألم يختبر فرح الروح القدس كما قال الرب بفم إشعياء النبي: "إِنْ بَذَلْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ" (إشعياء ٥٨:١٠). فالعطاء يحرّر النفس من انغلاقها ويجعلها تنسى وجعها في محبة الآخرين.
وأخيرًا تذكّر أن كل حزن له نهاية لأن الله أمين في وعوده، كتب داود النبي: "عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ" (مزمور ٣٠:٥).
لذلك لا تيأس إن طال الليل لأن الفجر آت لا محالة، والرب لا ينسى المتعبين بل يجدد قوة الضعفاء كما قال إشعياء:
"وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً، يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ" (إشعياء ٤٠:٣١).
وفي النهاية تذكّر وعد المسيح الذي قال:
"سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ، سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ" (يوحنا ١٤:٢٧).
فليكن هذا السلام نصيبك اليوم في كل فكر متعب وكل قلب حزين، لأن الرب يسوع هو الطبيب الحقيقي للعقل والنفس والروح الذي قال: "أَنَا قَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ، وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ" (يوحنا ١٠:١٠).
كيف يعيش الإنسان هذا الكلام عمليًا:
1. أن يبدأ يومه كل صباح بآية واحدة وصلاة قصيرة يسلم فيها ذهنه وحياته للرب قائلاً: يا رب اجعل أفكاري في سلامك اليوم.
2. أن يتعلم أن يتوقف لحظات وسط الزحام ليقول في قلبه: الرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي مِمَّنْ أَخَافُ فيجد راحة وسط الضغط.
3. أن يختار يوميًا عملاً بسيطًا من المحبة كزيارة مريض أو تشجيع شخص حزين لأن العطاء يشفي القلب من الحزن.
4. أن لا يهرب من الضعف بل يقدمه للرب قائلاً كما قال بولس الرسول: حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي.
5. أن يثق أن كل ضيق مؤقت وأن الرب قادر أن يخرج منه خيرًا عظيمًا إن صبر وانتظر بإيمان.





