د.  عمرو الهلالي

عن حفل افتتاح المتحف المصري الكبير أتحدث. عن تلك الليلة التي انتظرناها طويلاً، وحملنا إليها أحلاماً أكبر من جدران المتحف نفسه. كنا نظن أننا على موعد مع لحظة تاريخية، تُعيد للعالم بريق مصر القديمة وتضع المتحف الكبير في صدارة المتاحف العالمية، فإذا بما شاهدناه يأتي مخيباً للآمال، باعثاً على الحسرة أكثر منه على الفخر.  

أولاً:  
حفل نقل المومياوات من متحف التحرير إلى متحف الحضارات كان مبهراً بكل المقاييس. ذلك الحدث صنع في وعينا الجمعي معياراً للدهشة والإتقان، وأصبح مقياساً لأي احتفال قادم. لذلك، انتظرنا افتتاح المتحف الكبير باعتباره النسخة الأكبر والأعظم من تلك الملحمة، لكن ما جرى كان بعيداً تماماً عن التوقعات. لم نر الفكرة المبدعة التي تتجاوز موكب المومياوات المهيب، ولا المشهد الذي يخطف الأنفاس من الشوارع المصرية التي أبهرت العالم.  

ثانياً:  
السبب الرئيسي في خيبة الأمل كان النقل التلفزيوني..  فمن حَظي بدعوة للحضور رأى بعينيه عرضاً مهيباً بالتأكيد، أما نحن، المشاهدين خلف الشاشات، فكنا أسرى لمخرج وطاقم تصوير ومونتاج لم يقدّروا عظمة الحدث،  فبدت الكادرات بعيدة، والمشاهد باهتة، والقطع بين اللقطات عشوائياً، وكأننا نتابع العرض من المقاعد الأخيرة في قاعة ضخمة. لم نر تفاصيل الجهد، ولا ملامح الإبداع، بل رأينا لوحة باردة تفتقد للروح.  

ثالثاً:  
الحفل في روحه كان أقرب إلى عرض أوبرالي منه إلى احتفال وطني. الأصوات ارتفعت على الطريقة الغربية في أداء الكلمات، حتى كادت اللغة المصرية القديمة تتحول إلى “ها” و“هااااا” بلا معنى. بدت الفكرة الموسيقية غريبة على جوهر المناسبة، وكأننا أمام استعراض صوتي يبحث عن الإبهار لا عن الهوية.  

رابعاً:  
دمج الأغاني القبطية والإسلامية والنوبية في احتفال مخصص لمتحف الحضارة المصرية القديمة كان خطأً تاريخياً وجمالياً.. فالمتحف لا يُمثل هذه الحقَب جميعها، ومحاولة دمجها بدعوى (التنوع الحضاري) أضاعت خصوصية الحدث وأربكت رسالته؛ فبدت المحاولة كأنها عرض سياسي عن (الجمهورية الجديدة)، لا احتفالاً بمصر القديمة ومجدها الفريد.  

في النهاية،  
الجهد المبذول لا يُنكر، والعمل كبير من حيث التنظيم والتجهيز، لكن النتيجة كانت باهتة في صورتها، ضعيفة في رسالتها، ومخيبة في أثرها. لقد قُدمت لنا (تورتة) فاخرة الشكل محلاة بالكريمة، لكنها وُضعت في يد بائع (بليلة) يصيح بأعلى صوته: “بلييييييية يا ناس!”  

تلك كانت مأساة الاحتفال التي خيّبت أحلامي، وأحلام كثيرين مثلي، كانوا ينتظرون لحظة تُعيد لمصر هيبتها البصرية والحضارية في عيون العالم، لا أن تُغيبها خلف إخراج مرتبك وصوتٍ ضائع بين “ها” و“هاااااا”.

الخائبة آماله
د.  عمرو الهلالي