هل هو لَقَبٌ مريميٌّ صحيحٌ عقائديًا؟

(د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك)
+ لقد أعلنت "دائرةُ عقيدة الإيمان" عن إصدار وثيقةٍ جديدٍ حول الألقاب المريميّة المتعلّقة بمشاركة العذراء مريم في عمل المسيح الخلاصيّ، مع التّركيز بشكلٍ خاصٍّ على لَقَبِ "شريكة في الفداء"، الذي طالب بعضُهم بأن يكون عقيدةً مريميّةً جديدة. وستأتي هذه الوثيقةُ الجديدةُ تحت عنوان «ماتر بوبولي فيديليس» («أُمُّ الشّعب المؤمن»)؛ وستتمحور حول الدّور التي قامت به العذراءُ مريم في عمليّة الفداء التي حقّقها ابنُها الرّبُّ يسوع المسيح، مخلّص العَالَم والوسيط الأوحد بين الله والبشريّة. وجديرٌ بالذّكر أنّ هذه الوثيقةَ الجديدةَ ستُقدَّم رسميًا، ثمّ بعد ذلك ستُنشَر، في الـ4 من نوفمبر/تشرين الثّاني للعام الجاري (2025). 

+ فيما يتعلّق باللَّقَب المريميّ "شريكة في الفداء"، وبإمكانيّة استخدام هذا التّعبير المريميّ من جهة عِلْم اللّاهوت والعقيدة، قد سبق ونشرتُ، في عام 2013، مقالةً كاملةً باللّغة الإسبانيّة حول «قضيّة وساطة العذراء مريم: تحليل في السّياق المصريّ» [https://share.google/pLaTiUUf6Vg2gYS7k]. وحاولتُ من خلالها تقديمَ وتلخيصَ موقف وتعليم باباوات الكنيسة الكاثوليكيّة حيال ألقاب مريميّة على غرار: "شريكة في الفداء" و"الوسيطة". وفي هذا المضمار أيضًا، وفي مقالةٍ سابقةٍ باللّغة العربيّة، منشورةٍ في مجلّة "نجم المشرق"، في عددها 114 (29) 2023، كتبتُ ما يلي:

لا شكّ أنّ العذراء مريم <<متعاوِنة ومشارِكة ومساهِمة –بنوع فريد– في "عمل المسيح الخلاصيّ" أيضًا، وتلعب دورًا بالغ الأهمّيّة بالنسبة للكنيسة والبشريّة جمعاء. فهي بقولها "نَعَمْ" (لو 1/ 38)، وبتقديم ذاتها كليًّا لله الأحد-الواحد-الثَّالوث، قد تعاونت وشاركت وساهمت معه، وتحت أمره، وبنعمته، في عمله الخلاصيّ.

لقد تناول المجمعُ الفاتيكانيّ الثَّاني قضيّةَ "مساهمة" أو "مشاركة" أو "شراكة" العذراء مريم في عمل الخلاص، فقال: «قد تجاوبت بملء رضاها وإرادة الله الخلاصية دون أن تُعيقها أيةُ وصمةِ خطيئةٍ، بتقديم ذاتها كليًا أمةً للربِّ لشخصِ ابنها وعمله، لتُسهِم معه وتحت أمره في سرِّ الخلاص وذلك بنعمة الله القدير. وهكذا يَعتبر الآباء القديسون بحقٍّ أنَّ مريم لم تسهم في خلاص البشر كأداةٍ سلبية بين يدي الله فقط، وإنّما بحرَّيةِ إيمانها وطاعتها. وبالفعل هي نفسها بطاعتها، على حسب قول القديس إيريناوس "قد غدت سبب خلاصٍ لِذاتها وللجنس البشري بأجمعه". ولقد عبَّرَ عن ذلك معه وبرضى عددٌ غفيرٌ من آباءِ الكنيسة الأولين في مواعظهم إذ قالوا، "إن العقدة التي سبَّبَها عصيان حواء، حُلَّت بطاعةِ مريم؛ وما ربطته العذراء حواء بقلَّة إيمانها، حلَّته مريم العذراء بإيمانها"؛ وبمقارنتهم مريم بحواء، يسمون مريم "أمَّ الأحياء". ويصرِّحون مِرارًا "على يد حواء كان الموت، وبمريم كانت الحياة"» (م. ف، "نور الأمم"، بند 56).

نحن نؤمن ونعترف أنّ يسوع المسيح هو المخلِّص والوسيط بين الله والنّاس (رسل 4/ 12؛ 1 تي 2/ 5)، أي أنّه "لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ"؛ فالفداءُ والخلاصُ منوطان ومرتبطان بالمسيح. ولكنّ هذا الأخير لا يلغي مشاركةَ الخليقة والبشر والكنيسة والعذراء مريم والمؤمنين في عمله الخلاصيّ، فالخلائق جميعها متعاوِنة ومشارِكة ومساهِمة في سرّ الفداء والخلاص، كلٌّ على طريقته. وهذا لا ينكر بدوره أنّ المسيح هو الفادي والمخلِّص للعذراء مريم أيضًا (ت. م، بند 491)، لأنّها في نهاية المطاف هي بشرٌ مثلنا ومخلوقة، وليست "إلهة"، وإن كانت "والدة الله" أيضًا.

وفقًا للأناجيل، قد لعبت العذراءُ مريم، لكونها أُمّ يسوع، دورًا هامًّا وفريدًا في عمل ابنها الخلاصيّ، منذ الحبل به حتّى صعوده، ولا زالت أيضًا، ليس لأنّها "مخلِّصة" معه وبجواره، وإنّما لأنّها قد تعاونت وشاركت وساهمت معه في تحقيق عمله الخلاصيّ بإيمانها ورجائها ومحبّتها وطاعتها واتّباعها له حتّى أقدام الصّليب وما يليه. إنّ ما قامت به العذراءُ مريم، ولا زالت تقوم به، ينبغي أن يقوم به كلُّ مسيحيّ صادق وحقيقيّ أيضًا، أي أن يتعاون ويشترك مع المسيح في خلاص البشريّة والكون بالطريقة التي يريدها الرّبّ منه. فعلى سبيل المثال، قال الرّسولُ بُولس: «يسرني الآن ما أعاني لأجلكم فأتم في جسدي ما نقص من شدائد المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة، لأني صرت خادما لها بحسب التدبير الإلهي الذي وكل إلي من أجلكم، وهو أن أتم التبشير بكلمة الله» (كو 1/ 14 و24-25). 

إنّ «دورَ مريم الأمومي نحو البشر لا يَحجُب ولا يُنقِص بشيءٍ وساطة المسيحِ الوحيدة هذه بل يُظهر قوَّتَها» (م. ف، "نور الأمم"، بند 60). وعلى هذا النّحو، فإنّ العذراء مريم «شريكة سخية في عمله بصفةٍ فريدةٍ أبدًا [...] ساهمت في عَمَل المخلّص مساهمةً لا مثيل لها بخضوعها وإيمانها، برجائها ومحبَّتها الحارة كي تعود الحياة الفائقة الطبيعة إلى النفوس. لهذا كانت لنا أُمَّاً في نطاقِ نظامِ النعمة [...] تستمرُّ أمومة مريم في تدبير النعمة دون ما انقطاع حتى يبلغ المختارون الكمال الأبدي. وفعلًا إن دورها في الخلاص لم يتوقف بعد صعودها إلى السماء، إنها لا تزال تحصل لنا بشفاعتها على النِعَمِ التي تُؤكِّدُ خلاصَنا الأبدي [...] لهذا تُدعى الطوباوية العذراء في الكنيسة بألقابٍ عدّة منها الحامية، والمُعينة، والمساعدة، والوسيطة» (م. ف، "نور الأمم"، بند 61 و62)>> [مقالة «أُمومَةُ العَذرَاء مَريم ليسُوع ولَنَا»، ص 112-113]. 

+ خُلاصةٌ: نحن –ككنيسةٍ كاثوليكيّةٍ– نصرّح مع البابا بولس السّادس، في "قانون إيمان شعب الله: اعتراف رسميّ بالإيمان"، بـ«إنَّنا نعترف بأنّ والدة الإله الكليّة القداسة، حوّاء الجديدة، أمّ الكنيسة، تُواصِل في السماء دورها الأمومىّ في شأن أعضاء المسيح» ("التَّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة"، بند 975).