د.ماجد عزت إسرائيل
  في أجواء روحانية مهيبة غمرها عبق التاريخ المصري العريق، شهد دير القديسة كاترين بجبل سيناء يوم الجمعة(٣١ أكتوبر ٢٠٢٥ م) مراسم تنصيب غبطة المتروبوليت سيميون بابادوبولوس رئيسًا لأسقفية جبل سيناء ورئيسًا للدير الأرثوذكسي الملكي المستقل، خلفًا للمطران داميانو الذي خدم الكنيسة السيناوية لأكثر من اثنين وخمسين عامًا من البذل والعطاء. وقد أقيمت المراسم بحضور غبطة بطريرك أورشليم ثيوفيلوس الثالث، الذي سلّم المتروبوليت سيميون عصا الرعاية، ودولة رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي عبّر من خلال مشاركته عن عمق العلاقات التاريخية بين مصر واليونان، مؤكدًا دعم بلاده المتواصل للدير المقدس وحرصها على الحفاظ على طابعه الروحي والثقافي الفريد.

   وكما شارك في الحدث معالي الدكتور أحمد فؤاد هَنو وزير الثقافة المصري ممثلًا عن الدولة المصرية، إلى جانب نائبة وزير خارجية اليونان أليكساندرا بابادوبولو، ونائب وزير الخارجية الأمريكي مايكل ريغاس، ونائبة وزير الثقافة القبرصي فازيليكي كسيانيدو، والسفيرة الأمريكية بالقاهرة هيرو مصطفى، والدكتور محمد إسماعيل رئيس المجلس الأعلى للآثار، والدكتورة ياسمين موسى ممثلة عن وزارة الخارجية المصرية، فضلًا عن شخصيات كنسية ودبلوماسية من البطريركية المسكونية وبطريركية الإسكندرية وكنيستي اليونان وقبرص، وجموع من الرهبان والمؤمنين من مصر والعالم. وفي كلمته، أكد وزير الثقافة أن مشاركة الدولة المصرية في هذه المناسبة التاريخية تأتي تقديرًا للمكانة الحضارية والإنسانية لدير القديسة كاترين، الذي يمثل شاهدًا حيًا على تلاقي الأديان والثقافات، ورمزًا خالدًا للتسامح والتنوع الإنساني الذي تتميز به أرض سيناء المباركة، مشددًا على أن الدير أحد أهم الرموز الدينية والثقافية في مصر والعالم، وأن الدولة تولي اهتمامًا بالغًا بالحفاظ عليه باعتباره جزءًا من ذاكرة الإنسانية ومصدرًا روحيًا خالدًا. ومن جانبه، عبّر رئيس الوزراء اليوناني عن عميق اعتزازه بوجوده في سيناء، مؤكدًا أن دير القديسة كاترين، الذي تأسس منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا، هو أقدم دير مسيحي عامر في العالم، ومنارة روحية وجسر صداقة بين مصر واليونان، مشيدًا بصبر الرهبان السيناويين وثباتهم خلال الفترات السابقة. كما تم خلال اللقاءات الجانبية التأكيد على أهمية صون الوضع القانوني والإداري الفريد للدير وحماية ممتلكاته وحقوق رهبانه، مع استمرار التعاون بين الحكومتين المصرية واليونانية لضمان الحفاظ على طابعه الروحي وهويته التاريخية، على أن تُختتم المشاورات بتوقيع اتفاق خاص من قبل المتروبوليت سيميون بصفته الرئيس الجديد للدير، بالتنسيق مع الرهبنة السيناوية التي تملك الكلمة الأخيرة في هذا الشأن. 

  وعقب المراسم، زار رئيس الوزراء اليوناني الكنيسة الكبرى في الدير وسجد أمام الذخائر المقدسة، وتفقد مكتبته التاريخية العريقة، وعقد لقاءات منفصلة مع بطريرك أورشليم والمتروبوليت سيميون ونائب وزير الخارجية الأمريكي، مجددًا في ختام زيارته دعم بلاده الكامل للدير والعمل على صون استقلاليته بالتعاون مع الحكومة المصرية. واختتمت المراسم في أجواء روحانية فريدة امتزج فيها عبق التاريخ بنور الإيمان، حيث تعالت الصلوات عند أقدام جبل موسى، مهد اللقاء الإلهي، لتعلن أن سيناء ستظل أرضًا مقدسة تشهد على وحدة الإيمان والإنسانية عبر العصور، وليُسجل هذا اليوم صفحة جديدة في تاريخ الدير المقدس، تؤكد أن رسالة السلام والمحبة التي يحملها هذا المكان الفريد منذ خمسة عشر قرنًا لا تزال تشع من قلب مصر إلى العالم أجمع.