بقلم الأب يسطس الأورشليمى
مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في، فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب رّبنا يسُوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي، وأنا للعالم، لأني حامل في جسدي سمات الرّب يسُوع ..

عزيزي القاريء، حينما يُحيط بك الضباب من كُل جانب وتُعاق الرُؤية، ولا تعرف إلى أين المسير؟ رجاء ألاَ تفقد شجاعتك، ولا تدع عزيمتك تخُور، ولا تستسلّم لحظة للشكُوك التي يُحاربك بها إبليس من جهة أمان الطريق، بل ثق أن القبطان الأعظم هُو الذي يقُود سفينة حياتك، وهُو يعلو فُوق الضباب، ويرى كُل الطريق، ويعرف جميع التفاصيل، ثق أنه يحبك جداً وقد وضع على عاتقه مسئُولية حمايتك من المخاطر والشدائد والضيقات، فركز مشاعرك في محبته العجيبة، إذ يقُول الله للنفس البشرّية: “محّبة أبدية أحببتكِ من أجل ذلك أدمتُ لكِ الرحمة” (إر3:31)..

قل مع داود: إذا سرتُ في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك معي، عصاك وعُكازُك هما يُعزّيانني، الرّب نُوري وخلاصي ممّن أخاف، الرّب حصن حياتي ممّن أرتعب، إن نزل عليّ جيش لا يخاف قلبي، إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مُطمئن، إن سلكت في وسط الضّيق تُحيني تمد يدك وتُخلصني يمينك (مز 23، 27، 138)..

   أنت ألا تملك سوى الآن، لأن الماضي مضى وأنتهي، ولن يعُود مرة أخرى، والمستقبل مجهُول لا تملكه، فتشبه وتمثل بالابن الضال الذي قال: أقُوم وأذهب إلي أبي، وأقُول له: يا أبي أخطأت إلي السماء وقدامك، لنستيقظ من نُوم الخطية والكسل والتراخي، لأنه قد تناهي الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظُلمة ونلبس أسلحة النُور..

الليل بدأ بموت المسيح علي الصليب، ودخل العالم في الظُلمة ولم ير سوى المسيح المصلُوب، المُؤمنين فقط هُم الذين رأوا بهجة القيامة، لكن النهار يأتي في مجيء المسيح الثاني على السّحاب..

قال: ألبسُوا الرّب يسُوع، ونحنُ نلبسه عندما نتحلى بالفضيلة ونبغض الرذيلة والشرّ، ونُدّرب أنفسنا علي العفة والتقوى، ونميت شهواتنا ونفتح أبواب قلُوبنا للجميع، ونقبل اتضاع الفكر وننبذ الكبرياء..

نحنُ ننتظر شمس البرّ والشفاء في أجنحتها، وما هي هذه الأجنحة سوى صليب رّب المجد يسُوع المسيح؟! والرّب يقُول لنا: أنتُم نُور العالم، راجع الكتاب (مت14:5؛ رؤ20:3)، هأنذا واقف علي الباب وأقرع، إن سمع أحد صُوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهُو معي، وفي سرّ الأفخارستيا وهُو سرّ الشكر، ويسمى العشاء الرباني..

قال الرسُول: فلنخلع أعمال الظُلمة ونلبس أسلحة النُور، حيثُ سلاح الله الكامل المتكامل، حتى تكُون النُصرة علي إبليس وجنُوده نُصرة كاملة  (أف11:6- 18)، فما هُو الفرق بين: ألبسُوا و أحملُوا؟!

ألبسُوا سلاح الله الكامل بمعنى: اقتنُوا، أو اشترُوا، أما أحملُوا سلاح الله الكامل، أي استخدمُوا، مثال: أن تقتني، وتشتري جهاز، ولكنك الأسف لم تعرف كيفية استخدامه، فأصبح عديم الفائدة!!

كُل المسيحيين ارتدُوا، ولبسُوا سلاح الله الكامل، في المعمُودية المُقدسة، وفي ممارسة أسرار النعمة الإلهية، ومنتميين للشجرة السيد المسيح، لكنهُم لم يأخذُوا بعد من عصارة الشجرة، لذلك لا يأتُون بثمر، وكُل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتُلقى في النار (مت10:3)..

المهم أننا نرفع أنظارنا إلى السماء، لنرى بابها المفتُوح لنا، لأننا كُلما نقع في مشاكل، أو ضيقات، نلتفت باستمرار إلى الأبواب التي على الأرض، ونادراً ما ننظر إلى باب مفتُوح في السماء، وهكذا نُضيّع رجاءنا عبثاً، بينما إن رفعنا نظرنا إلى فُوق إلى السماء، يزُول منا القلق، واليأس، والتشكّك، ونتخلّص في الحال من التعب والضيقة..