خالد منتصر
إذا عرفت أن الموجود من كائنات على الكرة الأرضية لا يمثل إلا ١٪ من الكائنات التى كانت موجودة على الكوكب!، هل ستندهش؟، كنت أشاهد فيلماً وثائقياً بديعاً اسمه «الحياة على كوكبنا»، الفيلم يحتاج إلى مقال منفصل، ويكفى أن تعرف أن منتجه المنفذ هو ستيفن سبيلبرج، وأن الراوى هو العملاق مورجان فريمان، هذا الوثائقى تحدث عن سبب هذا الانقراض المرعب لـ ٩٩٪ من كائنات الأرض، خمسة انقراضات أكلت الأخضر واليابس، بالطبع ركز على الانقراض الأخير الذى جعل الديناصورات تنتقل من اليابسة إلى صالات المتاحف وصفحات كتب علوم الحفريات وأفلام هوليوود والكارتون ولعب الأطفال، لمع فى ذهنى سؤال مزعج لم يطرحه الوثائقى، أيقظنى من طمأنينتى المزيفة، وأجبرنى على التوقف عن التهام الفيشار، هل توقفت الانقراضات عند هذا الانقراض الخامس؟، مثلما توقفت الرسالات السماوية منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة؟!، ولنعش حياتنا مخدرين نتأمل فى الأفق اللازوردى، متأكدين من أن كله تمام وتحت السيطرة، الحقيقة المرة يا سادة، هى أننا نخدع أنفسنا، ونضحك على ذواتنا، فنحن لسنا فى انتظار الانقراض السادس، نحن فيه فعلاً!
نحن نعيشه، دقات الساعة البيولوجية للكوكب لا تعبأ بصرخاتنا، أو حتى بـ«طناشنا»، عقارب الساعة مستمرة فى الدوران، الانقراض يزحف على مهل وببطء، الفرق بينه وبين ما قبله من انقراضات، أن هذا الانقراض السادس لن يحدث باصطدام كويكب أو غبار كونى أو انفجار بركانى أو إغراق محيطى...الخ، لكنه سيحدث بيد الإنسان، هو من فعل الإنسان، مع سبق الإصرار والترصد، وسيصبح الإنسان هو الكائن الوحيد فى هذا الكون، وعلى هذه الأرض التى عمرها أكثر من أربعة مليارات من السنوات، هو الذى يضع خطة انقراضه ويرسم خطواتها بنفسه!، تفاصيل الانقراضات الخمسة وأسماء العصور معقدة ولا يحتملها مقال صحفى سريع، ومن الممكن الرجوع إليها على الإنترنت، ولكن السؤال المهم الذى لن تجد أحداً فى هذا الوطن العربى المحروم من الأسئلة المزعجة، ويعتبرها حراماً وكفراً وهرطقة وإزعاجاً للسلطات..الخ، هو سؤال هل سينقرض الإنسان، أم سيبقى، أم سيتجاوز إلى مرحلة ما بعد الإنسان؟، كلها أسئلة مفتوحة، بأيدى الجنس البشرى أن يجيب عليها ويصنعها، فقط إذا انتبه لما حوله من أخطار وأسباب للانقراض، وحاول أن يتنازل عن غروره البشرى القمىء، ويعرف ويوقن ويتأكد، بأنه مجرد ورقة فى فرع شجرة التطور، وأن عمره طرفة عين فى مسار هذا الكون الممتد عبر مليارات السنين، والذى من العبث أن يكون قد خلق لتدليل وتدليع حضرته وفخامته، منتظراً سيادته أن يطل علينا فى آخر ٣٠٠ ألف سنة، وهو عمر الهوماسابينس!، المسارات كلها مفتوحة، والاحتمالات موجودة على الطاولة، من الممكن جداً أن ننقرض بسبب كارثة بيئية كبرى، احتباس حرارى، ذوبان جليد، فقدان محاصيل، انهيار نظم بيئية، اصطدام كويكب، حرب نووية، وباء خارق للسيطرة، ذكاء اصطناعى يزيح الإنسان من معادلة الوجود..إلخ، وربما يتبقى منا بعض آثار أو روبوتات، وهناك احتمال أن نتكيف وندرك الخطر، وننتقل إلى الطاقة النظيفة والتقنيات الطبية التى تمنع الأمراض الوراثية، ونستعمر المريخ، ونتعايش مع البيئة بحكمة لا بهمجية، ونكون أكثر وعياً ونتبنى ذكاء اصطناعياً مساعداً لا مهيمناً يسحق إنسانيتنا، وهناك احتمال ثالث وهو أن ندخل عصر ما بعد الإنسان Posthuman Evolution، فى هذا العصر وفى هذه الحالة لن ننقرض، بل سنتحول، نصبح نوعاً جديداً يتجاوز الجسد والحدود البيولوجية، بالزرعات والشرائح الدماغية، والذاكرة الرقمية، والأطراف الصناعية الذكية، بالتعديل الوراثى عن طريق قص ولصق الجينات بالكريسبر، وهى طريقة ستمنع الشيخوخة وتزيد الذكاء والمناعة، من الممكن أن ننتقل إلى مرحلة الكمبيوتر الواعى، تشكيل وصناعة وتجديد الإنسان الكونى الذى يستطيع التكيف مع الكواكب الأخرى من حيث الجاذبية وتحمل الإشعاع.. الخ، هذا يا سادة ليس مقال رعب، أو ضرباً لكرسى فى الكلوب، أو إزعاجاً لمعاليكم وأنتم ترقدون على السراير، أو «مأنتخون» على الكنب فى الأنتريهات، ولكنه واقع ترسم ملامحه وتفاصيله أمامنا، ونحن نكتفى بمصمصة الشفاه، أو بترديد يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف.
نقلا عن المصرى اليوم





