القمص يوحنا نصيف

من أخطر وسائل الخداع التي يستخدمها الشيطان، أن يجعلنا نستهين بوصايا الله؛ فيُصَوّر لنا أنّ الموضوع بسيط، وإذا كان هناك خطأ صغير سيحدث فمِن ورائه سنجني مَكسَبًا كبيرًا، وأيضًا لا يوجَد خطأ غير قابل للإصلاح.. ولكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فإنّ مَن يستهين بالوصيّة لن يكسب أبدًا بل سيخسر كلّ شيء.. ويوجَد بالفِعل أخطاء لا يُمكِن إصلاحها، بل سيكون ثمنها فادِحًا!
 
 قد يخدع العدو الشرّير الناس بأن يحاول إقناعهم بأفكار سامّة مثل:
 - هذه "كلمة بسيطة" يستخدمها كلّ الناس..
 
- هذه "نظرة عابِرة" لن تضرّ..
 
 - هذه المشاركة  في الشُّرب والخلاعة مجرّد "تفاريح" لا تتكرّر كثيرًا..
 
 - هذه "كذبة بيضاء" ستُخرِجك من الموقِف المُحرِج، ولن تؤذِي أحَدًا..
 
 وهكذا يتمّ تمرير الخطيّة لتدخل إلى حياة الإنسان فتُفسِدها وتُدَمِّرها، مثلما يُحذِّرنا سفر النشيد من الثعالب الصغيرة المُفسِدة للكروم (نش2: 15).
 "زوجة لوط" هي نموذج واضح للإنسان الذي يستهين بالوصيّة فيخسر كلّ شيء..
 
لقد كانت الوصيّة واضحة للوط وأسرته: "اهْرُبْ لِحَيَاتِكَ. لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ، وَلاَ تَقِفْ فِي كُلِّ الدَّائِرَةِ. اهْرُبْ إِلَى الْجَبَلِ لِئَلاَّ تَهْلَِكَ" (تكوين19: 17).. ويقول الكتاب قبلها: "وَلَمَّا تَوَانَى، أَمْسَكَ الرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَبِيَدِ امْرَأَتِهِ وَبِيَدِ ابْنَتَيْهِ، لِشَفَقَةِ الرَّبِّ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَاهُ وَوَضَعَاهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ" (تكوين19: 16).. وهذا يؤكِّد أنّ الله يتعامل معنا ويوصينا من مُنطَلَق شفقته علينا..
 
هكذا فإنّ الوصيّة دائمًا هي في صالح الإنسان.. هي علامة محبّة من الله الذي يقدِّم للإنسان نصائح جميلة وغالية من أجل سعادته وحرّيته وخلاصه.. أمّا الإنسان الذي يتعالَى على الوصيّة ويرفضها، أو يتهاون في تنفيذها، فهذا يَحكُم على نفسه بالموت.. لأنّ الوصيّة هي حياةٌ أبديّة لِمَنْ يُنَفِّذها، ودينونةٌ أبديّة لِمَنْ يرفضها!
 
الوصيّة تبدو أحيانًا بسيطةً جِدًّا في شكلها الخارجي، ولكن ليس معنى هذا أن نستهين بها!
 
  لنأخذ أمثلة لبعض هذه الوصايا التي تبدو بسيطة:
 + "وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا.." (تكوين2: 17).
+ "لاَ تَنْظُرْ إِلَى وَرَائِكَ.." (تكوين19: 17).
+ "لا تشهد بالزور.." (مرقس10: 19).
 + "لا تَشْتَهِ شيئًا مِمَّا لقريبك.." (خروج20: 17).
 + "لا تحلفوا البتّة.." (متى5: 34).
+ "لا تدينوا.." (مت7: 1).
+ "لا تَخرُج كلمة رديّة من أفواهكم.." (أف4: 29).
+ "احفظ نفسك طاهرًا.." (1تيموثاوس5: 22).
+ "كُن أمينًا.." (رؤيا2: 10).
 
 والحقيقة أنّه على قدر ما تبدو الوصيّة بسيطة للغاية، فالاستهانة بها مُمِيتة، لأنّ كسر الوصيّة يفصلنا عن الله ويرمينا في قبضة الشيطان غير الرحوم.. من أجل هذا فعدم تنفيذ الوصيّة قد يتسبَّب في خسائر فادحة، وأضرار خطيرة ربّما يستحيل علاجها..!
 
    وصايا الله، وبالذّات التحذيريّة منها، واضحة ومُحدَّدة؛ ومِن السهل على الإنسان أن ينفِّذها.. لكن المهم أن نأخذها مأخَذ الجدّ تمامًا، ولا نستهين بها كما فعلت امرأة لوط، والتي كانت تسير في طريق الخلاص والنجاة، ولكنّها للأسف ضيّعَت كلّ شيء بتهاونها في وصيّة تبدو صغيرة!
 
من أجل هذا يحذِّرنا السيّد المسيح قائلاً: "اذكروا امرأة لوط" (لوقا17).. أي اذكروا كيف هلكت لسبب ما اعتبرته مخالفة بسيطة وصغيرة!
 
ياربي يسوع المسيح.. علّمنا أن نضع في قلوبنا باستمرار أنّ كلّ وصاياك هامّة جدًّا، وساعدنا بروحك على تنفيذها.. فلا توجَد وصايا يمكن التغاضي عنها أو إهمالها، بداعي أنّها وصايا صغيرة وليست أساسيّة.. بل كما يقول القدّيس يعقوب بالروح القدس في رسالته: "لأنّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي (وصيّة) وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ" (يع2: 10)!