بقلم الأب يسطس الأورشليمى
اليهودية تحت إدارة الولاة الرومان (10-45م) :
بنفي ارشيلاؤس ابن هيرودس عام 2م وبناء على الشكوى التي قدمت من الوفد اليهودى الذي كان عددهم خمسين بالإضافة إلى الضغط الذي أبداه اليهود المستوطنين في روما وقتئذ، وكان يبلغ عددهم في هذه الفترة ما يقرب من ثمانية آلاف
 
، أن تحررت اليهودية من الحكم الملكي المحلي ودخلت تحت الحكم المباشر لروما، ومع أنها كانت تتبع الإدارة المركزية في سوريا، إلا أن ولاتها الرومان كان لهم شيء كثير من الاستقلال في الحكم وتصريف الأمور، أما في الأمور العامة التي تخص شئون الإمبراطورية وأوامر الإمبراطور العامة، فكان الوالي في سوريا هو المتصرف العام، وهذا يظهر في عملية الإحصاء العام الثانى الضريبي الذي أمر به أغسطس قيصر، وإضطلع بهذه المهمة في الشرق كيرنيوس والي سوريا لثانى مرة، لأن المرة الأولى قام بها أيام ولادة المسيح.
 
الاكتتاب الأول ( لو1:2-3 ) كان إحصاء عاما ( 1م ).
الاكتتاب الثانى ( أع5 : 37 ) كان إحصاء ضريبيا ( 11م ).
 
ونجد أن الإكتتاب الثانى كان كيرينيوس والي سوريا قد إضطلع به مع أن اليهودية كانت تحت إدارة الوالي الرومانى كوبونيوس ( 10- 13م)، كذلك يذكر التاريخ أن كيرينيوس بعد أن جرد ارشيلاؤس من أمواله وعقاراته، خلع يوعازا رئيس الكهنة وأقام حنان رئيسا للكهنة، ولقبه حنان بن شيث.
 
الوالي الرومانى كوبونيوس (10-13) :
يعتبر هذا الوالي أول والي رومانى يحكم اليهودية مباشرة، وقد قام في بداية حكمه بمساعدة كيرينيوس في عملية الإحصاء العام لحصر الضريبة. وقد شعر اليهود بثقل هذا الإجراء وخصوصا جماعة الغيورين وأعتبروها إذلالاً رسمياً لحرية اليهودى، وجعلتهم يحسون جميعاً أنهم تحت الجزية وبالتالي جعلتهم يحسون بمرارة العبودية، ولولا حكمة رئيس الكهنة يوعازا لإنتشرت الثورة في اليهودية التي قام بها إقليم شرق الأردن المتحمس بقيادة يهوذا الجليلى الذي من مدينة جمالا، والذي سبق وقاد ثورة سابقا، وقد أنضم إليه في هذه المرة صادوق الفريسي المتعصب أيضاً, وجذب عددا كبيرا وراءهما، وأحدثا إضطراباً ورعباً كثيراً في البلاد، " بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الإكتتاب (الثانى)، وأزاغ وراءه شعبا غفيرا، فذاك أيضا هلك وجميع الذين أنقادوا إليه تشتتوا " (أع37:5).
 
وقد أنتهى كيرينيوس من الإحصاء الضريبي العام في سنة 11 م، ويلاحظ أن قيادة يهوذا الجليلى لثورتين متحمستين بدون سبب معقول وبدون ردع من المسئولين، بل وأنضمام الفريسيين له في هذه المرة الأخيرة إحتجاجا على الإحصاء العام وهو عمل مشروع، مهد هذا كله لروح التذمر بين الشعب، الأمر الذي مهد لقيام الثورة الكبرى التي قام بها اليهود ضد الرومان سنة 70م، والتي راح ضحيتها ألوف اليهود، حيث دمرت أورشليم وأحرق الهيكل وسبي الشعب وفقد تاريخه.
 
وقد تتابع حكم الولاه الرومان لليهودية إذ وبعد رجوع كوبونيوس إلى روما خلفه في حكم اليهودية ماركوس امبيبولس واستمر في الحكم من سنة 13 16م، ومن بعده أيضا تولي أنيوس روفوس من سنة 16-19م، وهذان لم يكن لهما ذكر في تاريخ اليهود، وفي مدة تولى هذا القائد مات أغسطس قيصر 18م، وتولى من بعده ابن زوجته جوليا وأسمه طيباريوس قيصر (ثالث إمبراطور على روما)، وهو الذي أرسل القائد فاليريوس جراتس سنة 19-30م ليحكم اليهودية، ويذكر يوسيفوس هذا القائد أن يده كانت ثقيلة على اليهود وكان جائراً مستبداً في معاملته لليهود، وقد ظهر ذلك في تعرضه لوظيفة رئيس الكهنة، فقد خلع حنان وعين بدلا منه إسماعيل بن فابي، ولكن بعد مدة يسيرة خلعه هو الآخر وعين بدلا منه أليعازر، وكان أليعازر بن حنان رئيس الكهنة السابق، ولم يتركه فيها سنة واحدة حتى خلعه وعين بدلا منه سمعان بن كاميثوس، وبعد سنة واحدة عزله أيضا وعين بدلا منه يوسف قياف، كل ذلك في أقل من إحدى عشرة سنة (19-30م)، غادر بعدها اليهودية إلى روما، وتعين بيلاطس البنطي (بونتيوس بيلاطس) بدلا منه.
 
اليهودية تحت حكم بيلاطس البنطي 30-40م :
وجدت أثناء حفريات عملت في سنة 1961م بمدينة قيصرية لوحة حجرية تحمل اسم " بونتيوس بيلاطس مع أسم طيباريوس قيصر"، وبيلاطس هو خامس حاكم رومانى على اليهودية عينه طيباريوس قيصر سنة 30م، وهذا يوافق بدء خدمة السيد المسيح تماماً - وطبعا ليس هذا مصادفة-، وتولى بيلاطس البنطي الحكم في اليهودية من سنة 30 :40م، وبناء على تعديل في حكم مجلس الشيوخ الرومانى الصادر في سنة 29م الذي بمقتضاه يصرّح لحكام الأقاليم أن يصحبوا زوجاتهم معهم، أخذ بيلاطس زوجته وأقامت في أورشليم (مت 19:27).
 
وقد بدأ بيلاطس حكمه بتحدي اليهود بأن نقل مركز قيادة الجيش من قيصرية إلى أورشليم، وأحضر تمثال قيصر وشعار الإمبراطورية النسر الذهبي ذا المنكبين العريضين ونصبهما ليلاً في مداخل أورشليم مما أثار حفيظة اليهود وجعلهم يتوجهون إليه في مقر قيادته في قيصرية وينازعونه علناً في هذا الأمر، وقد هددهم بيلاطس بالموت، ولكن أمام إصرارهم وشجاعتهم ستة أيام وهم وقوف لدى البلاط الرومانى في قيصرية مقدمين حياتهم للموت بدون خوف أو تردد، جعل بيلاطس يرفع التماثيل والشعارات من أورشليم وينصبها في قيصرية مرة أخرى، وقد ذكر هذه الحادثة يوسابيوس القيصري نقلا عن فيلو اليهودى، ولما حاول بيلاطس مد مجرى ماء جديد إلى مدينة أورشليم من على بعد 25 ميلا لتحسين أحوال المدينة، تصدى له اليهود لأنه أراد أن يستخدم اموال الهيكل في ذلك، وكان موسم من مواسم الأعياد الكبرى حيث كان يتجمع اليهود ويقدمون ذبائحهم، وقد تزعم المقاومة جماعة من الجليليين لأنهم كانوا أكثر اليهود تعصبا وأشدهم استعدادا للثورة، مما جعل بيلاطس يأمر جنوده بأن يعمل فيهم السيوف فذبح منهم الكثيرين وأختلطت دماؤهم بذبائحهم كما يصف الإنجيل (لو1:13-4)، وكما يصف يوسيفوس، وقد حدث أن قتل في هذه المذبحة كثير من إتباع هيرودس أنتيباس رئيس ربع الجليل مما جعل الحقد والضغينة والعداوة تزداد بين بيلاطس وهيرودس، والتي أراد ببلاطس أن يتلافاها في المرة الأخرى التي تعرض لها عندما قدموا إليه المسيح لمحاكمته وصلبه وعلم أنه من الجليل فأرسله إلى هيرودس (لو6:23-12)( ). 
 
وفي هذه الأثناء قامت مشاغبات وأعمال غير شريفة من بعض اليهود القاطنين في روما، مما أضطر طيباريوس قيصر إلى نفي أربعة آلاف يهودى من روما إلى جزيرة سردينيا وشرد الباقين خارج البلاد، وقد أنتهت أيام حكم بيلاطس البنطي في اليهودية (40م) على أثر شكوى تقدم بها السامريون إلى ميثلوس والى سوريا العام ضد بيلاطس، لأنه استخدم ضدهم العنف وذبح الشعب الأعزل بينما كان متجمعا في جبل جرزيم (المقدس بالنسبة للسامريين)، وهم يبحثون عن تابوت العهد والأوانى التي يقال أن عزي رئيس الكهنة خبأها في هذا الجبل بأمر الرب (1أى6:6). 
 
وقد غادر بيلاطس البنطي اليهودية إلى روما لمقابلة طيباريوس قيصر ليعطي تقريراً عن السبب في هذه الشكوى، وقد إقيل من منصبه وذلك بعد أن حكم اليهودية عشر سنوات، وبينما بيلاطس في طريقه إلى روما مات طيباريوس قيصر سنة 41م في شهر مارس، وقد تعين بدلا منه لحكم اليهودية مارسيللوس سنة 40م ولم يبق في الحكم إلا مدة قصيرة، لأنه في السنة التالية عين الإمبراطور كاليجولا حاكما آخر عوضا عنه هو ماروللوس الذي صار والياً على اليهودية إلى أن تحول الحكم فيها من ولاية رومانية إلى مملكة تابعة للحكم الرومانى، وذلك بتولى الملك أغريباس الأول عليها من سنة 45م إلى سنة 48م. ومن بعده عادت اليهودية مرة أخرى تحت حكم الولاة الرومان.