بقلم - نادر شكري
أثار بيان دار الإفتاء المصرية الأخير، الذي اعتبر الامتناع عن التصويت إثماً شرعياً، جدلاً واسعًا حول دور المؤسسات الدينية في العملية السياسية، وحدود تدخلها في الشؤون المدنية.

في السنوات الأخيرة، لاحظنا استمرار محاولات بعض المؤسسات الدينية اقحام الدين في السياسة بشكل مباشر، وربط المشاركة السياسية بمفاهيم مثل الجنة والنار أو الثواب والعقاب. وهذا التدخل ليس مجرد تجاوز أخلاقي، بل يمثل تهديدًا لسلامة المجال العام في الجمهورية الجديدة ويؤثر على سمعة المؤسسات الدينية نفسها.

إن ربط الدين بقرارات سياسية متغيرة، خاصة خلال الانتخابات، هو امتداد لممارسات كانت تستخدمها التيارات المتطرفة الإخوانية، حيث تُوظف المنابر الدينية للترهيب والسيطرة على إرادة المواطنين، بدلاً من تركهم يمارسون حقهم الدستوري بحرية.

من المهم التأكيد أن التعبير عن الرأي والمشاركة في الانتخابات حق دستوري لكل فرد، ويجب أن تظل هذه الحقوق خارج أي ضغوط دينية أو تحريضية. ربط السياسة بالدين أو التهديد بالعقاب الأخروي لا يحقق سوى تقييد إرادة المواطنين وتقويض العملية الديمقراطية.

لذلك، على المؤسسات الدينية إدراك حدود دورها، وترك المشهد الانتخابي للمواطنين لممارسة حقهم بحرية ومسؤولية. احترام هذه الحدود يعزز الثقة بين الدولة والمجتمع، ويحافظ على حياد المؤسسات الدينية، ويؤكد على التزامها بالمصلحة العامة، بما يتوافق مع روح الجمهورية الجديدة وحقوق المواطنين.

في النهاية، الديمقراطية ممارسة تحتاج إلى وعي ونضج وممارسة حقيقية، ولا يمكن أن تتحقق عبر التهديد أو ربط الواجبات المدنية بالمفاهيم الدينية، بل عبر تمكين كل مواطن من الاختيار بحرية ومسؤولية.