بقلم الأب يسطس الأورشليمى
فيلكس ( 52-60م) : 
يخبرنا المؤرخ تاسيتوس أن فيلكس الوالي (52-60) الذى جاء بعد كاومانوس كان عبداً معتوقاً، ومن أخصاء كلوديوس المحبوبين، وإن كان يختلف المؤرخ تاسيتوس عن يوسيفوس في تقرير أخلاق فيلكس وسلوكه، إن سفر الأعمال يقف شاهداً على صحة أقوال يوسيفوس في وصفه بأن فيلكس كان معتدلاً وكثير التعاطف مع اليهود.
 
ويصف سفر الأعمال موقف فيلكس من كلا الطرفين، اليهود الشاكين والمسيحيين المشكو في حقهم فاليهود يقررون على فم ترتلس الخطيب: " أننا حاصلون بواسطتك على سلام جزيل وقد صارت لهذه الأمة مصالح بتدبيرك، فتقبل ذلك أيها العزيز فيلكس بكل شكر في كل زمان وكل مكان " (أع 24 :3).
 
والمسيحيون يقررون بفم بولس الرسول: " أنى إذ قد علمت أنك منذ سنين كثيرة قاض لهذه الأمة أحتج عما في أمري بأكثر سرور " (أع10:24)، ويلاحظ أن سرور القديس بولس كونه يحاكم لدى فيلكس يعبر عن ثقة بولس بفيلكس كقاض عادل متزن، ولا يمكن أن يؤخذ كلام بولس الرسول على محمل الرياء أو المداهنة لحاكم، لأن بولس بعد ذلك لما واتته الفرصة ليتكلم مع  فيلكس لم يعجز عن وعظه وتوبيخه على سلوكه غير المتعفف مع زوجته دروسلا، التي كانت زوجة للملك عزيزوس ملك حمص وهجرته لتتزوج بفيلكس فصارت زوجته الثالثة، وهي يهودية وأخت اغريباس الثانى، لذلك فهي بحكم الناموس زانية، وكذلك فيلكس الذي لما سمع ق. بولس أرتعب: " ثم بعد أيام جاء فيلكس مع دروسلا أمرأته وهي يهودية فأستحضر بولس وسمع منه عن الإيمان بالمسيح، وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، أرتعب فيلكس " (أع24:24و25).
 
وقد تميزت فترة حكم فيلكس بكثرة الإضطرابات وذلك بسبب قيام جماعات كثيرة يهودية مشاغبة للسلب والنهب واللصوصية حسب رواية يوسيفوس، وكان معظمهم من الغيورين، وكان محور دعوتهم الدينية وإلهامهم الكاذب هو التحرر من روما بالقوة وبالسلاح، وقد ظل زعيمهم الأكبر أليعازر يقود هذه الحركة السرية ما يقرب من عشرين سنة، وقد تسبب في الإخلال بالأمن وإيقاع الرعب في البلاد كلها. 
 
وقد قام بعض هؤلاء الغيورين المدعوين سيكاريين أو سكينيين اي " حاملي السكاكين" بإغتيال رئيس الكهنة يوناثان، وأتهموا فيلكس بتدبير المؤامرة بسبب العداوة الكامنة بين الاثنين، ولم يكن لفيلكس يد في ذلك، ولكن يوسيفوس يكشف هذه المؤامرة من جانب الغيورين حاملي السكاكين بقصد قلب نظام الحكم الداخلي إستعدادا للقيام بثورة مسلحة.
 
وقد تزعم إحدى الحركات الطائشة في أورشليم يهودى مصري مدّع للنبوة، كانه مسيح، وهذا أضل جمعا غفيرا وأخذهم إلى جبل الزيتون مدعيا أنه سيسقط أسوار أورشليم بكلمة، ولكن فيلكس تعقبه وشتت شمل جماعته وذبح معظمهم، وقد ذكر سفر الأعمال هذه الحادثة (أع38:21).
 
ومنذ ذلك الوقت والبلاد تجتاحها الثورات المحلية في كل ركن، وقد ساعد على إزدياد هذه الفوضى ضعف الجيش الرومانى المرابض في سوريا، والذي لم يكن يزيد عن كتيبتين من أثني عشر ألف جندي مع حامية صغيرة في قيصرية وثلثه جند في أورشليم.
 
وبدأت المنازعات بين اليهود والأمميين وخصوصا في قيصرية، وقد حسم فيلكس النزاع بعنف إذ قتل كل الثائرين اليهود مما أدى إلى دعوة فيلكس إلى روما وأنهاء حكمه، وحل محله بوركيوس فستوس من (60-62). 
 
بوركيوس فستوس (60-62) :
وقد واجه هذا نفس الصعوبات التي خلّفها له فيلكس من إضطراب في الأمن إلى إنزعاج عام في الشعور الديني إلى حساسية مرهفة ضد أي تصرف من جهة الحكم الرومانى، كما قام في زمانه مسيح دجال كبير قاد جماعة الغيورين السيكاريين وأحدث حركة شديدة في البلاد ضد الحكم الرومانى، ولكن فستوس تصدى لها ومزق شملها بقوة ونجاح كبير.  
 
ويذكر سفر الأعمال شخصية فستوس بكثير من التزكية ويدمغها بدامغ اليقظة والهمه والعدل، وقد جرت بين اغريباس الثانى وفستوس إتصالات بخصوص مقاومة رئيس الكهنة لأغريباس في موضوع قصره الذي يطل على الهيكل، وإقامة الكهنة لسور داخلي يحجز الهيكل عن القصر الذي أمر فستوس بهدمه بالقوة، ولكن الكهنة لجأوا إلى نيرون الذي حكم ببقاء السور وعدم هدمه، وقد توفي فستوس في السنة الثانية من تسلمه لمهام منصبه.
 
وفي الفترة بين موت فستوس وبين حضور خليفته (ألبينوس) شكل رئيس الكهنة حنان بن حنان (قاتل المسيح) مجمع السنهدريم لمحاكمة بعض الناس من مخالفي الناموس، ويقصد بذلك المسيحيين، وحكم المجمع بقتلهم رجما " ومنهم يعقوب أخو يسوع المدعو المسيح ". ويقول يوسيفوس أن اليهود الحكماء والأتقياء أستنكروا هذا العمل الوحشي. ولكن يلاحظ أن عنف جماعة الصدوقيين وعلى رأسهم حنان رئيس الكهنة ضد المسيحيين وإستصدارهم الحكم بالرجم والقتل في غياب الحاكم الرومانى يعتبر ضد القانون، كل ذلك كان يعتمد على وجود من يدافع عنهم عند نيرون وهي زوجته بوبيا اليهودية الأصل، والتي انتصرت لليهود ضد أغريباس الثانى أيام الخلاف على السور.
 
وجاء بعد فستوس الوالي البينوس (62-64م) الذى كان يهتم بتحصيل المال بكل وسيلة حتى ولو ضد القانون، لذلك تقوت في أيامه الجماعات التي تستخدم هذه الوسائل، وفي مدة حكمه التي لم تزد عن سنتين إزدادت حالة البلاد إضطراباً وفوضى، وأسرعت إلى حافة مصيرها المحتوم.
 
وخلفه جسيوس فلوروس (64-66م) : 
الذى يعتبر آخر حكام اليهودية، أرسله نيرون ، وقد عينته بوبيا التي كانت صديقه لزوجة فلوروس، ويفضل يوسيفوس البينوس على فلوروس ويعتبره ممتازا بالنسبة لسوء أخلاق وسلوك فلوروس، إذ كانت مساوئه علنية، وكان مستهترا باليهود إعتمادا على الرشوة أيا كان مصدرها، وقد شجع الأمميين السوريين في قيصرية ضد اليهود، فأهاج حقدهم، وقد إنحدرت البلاد إلى أسوأ ما يمكن أن تنحدر إليه في أيامه، وإن كان لا يمكن أن يقال أن فلورس كان السبب المباشر لقيام حرب اليهود العلنية ضد الرومان، فهو على الأقل قد  ساعد على سرعة ظهورها وذلك بمناصرة السوريين في قيصرية وأعطائهم كل الحقوق المدنية التي تكفل لهم السيادة على المدينة وأطاح بنفوذ اليهود خارج المدينة.
 
وأيضا مطالبته الهيكل بسبع عشرة وزنه التي وإن كانت مبلغا زهيدا وفي نطاق حقوقه كحاكم، إلا أن أختياره لزمن المطالبة بها بعد خذلانه ليهود قيصرية أهاج شعور يهود أورشليم بدرجة لا تطاق فإندلعت الشرارة الأولى للحرب اليهودية( ).