بقلم: هاني صبري – المحامي
أثار مقطع فيديو متداول لشاب يتلو آياتٍ من القرآن داخل المتحف المصري الكبير، أمام عدد من الزوار، موجةً واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد ظهر الشاب في بهو المتحف العظيم، يتلو آيات عن عذاب فرعون بصوتٍ مرتفع، بينما انشغل الزوار بتصويره.
ورغم أن تلاوة القرآن تُعد شعيرة دينية لدى المسلمين كافة، فإن القيام بها في مكانٍ عام كالمتحف، وبطريقةٍ تخلّ بالنظام والهدوء، يعد سلوكًا غير ملائم ويخالف طبيعة المكان ودوره الثقافي والحضاري. فالمتاحف ليست ساحات للعبادة أو المناظرات، بل فضاءاتٌ تحفظ التراث وتُخلّد ذاكرة الأمم، وتُعد منارات لتلاقي الثقافات والحضارات المختلفة، حيث يجتمع فيها الزوار من جميع أنحاء العالم للتعرف على تاريخ مصر العريق، في أجواء يسودها الاحترام والسكينة.
أن اختيار هذه الآيات وتلاوتها بصوت مرتفع أمام تمثال رمسيس قد يُفسر إنه محاولة لإثارة الجدل، وهو ما يخرج عن إطار السلوك المقبول في مكان مخصص للمعرفة والحفاظ على التراث. المتحف ليس مكاناً لإثارة النقاشات الجدلية التي قد تُسيء إلى رمزية المكان. مثل هذا السلوك قد يُعتبر محاولة لاستغلال المتحف لأغراض شخصية أو دعائية، وهو ما يُضر بالهدف الأساسي لهذه المؤسسة الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي والحفاظ على التراث.
يُعد المتحف المصري الكبير أحد أعظم المشاريع الثقافية في العصر الحديث، وأكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة. يحتضن آلاف القطع الأثرية التي تسرد تاريخ مصر القديمة، وتبرز إبداع المصريين الأوائل. كما يمثل نافذة حضارية تعكس للعالم وجه مصر المشرق، ويسهم في دعم السياحة وتنشيط الاقتصاد الوطني.
إن أي تصرفٍ يخلّ بالنظام داخل المتحف، أو يحوّله إلى ساحة للعرض والشهرة، يُعد انتهاكًا لقيمته الرمزية والثقافية. فالمتاحف هي أماكن للمعرفة والسكينة، لا للشو الإعلامي أو «الترند».
أن المتحف المصري الكبير هو قلعة الثقافة والتاريخ ومنارة لتلاقي الحضارات، ويجب الحفاظ عليه وتعزيز الوعي الثقافي والتاريخي لدى الزوار، وحمايته من أي تهديدات أو إساءة. وبحسب قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، يُعاقب القانون على أي فعلٍ من شأنه تهديد سلامة أو أمن المتاحف.
على إدارة المتحف والجهات المعنية:
- تعزيز الوعي لدى الزوار بأهمية احترام المتاحف وقدسيتها.
- تشديد الإجراءات الأمنية والرقابية لمنع أي تجاوز.
- تطبيق القوانين الرادعة بحق كل من يسيء استخدام المرافق الثقافية.
إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد صرحٍ أثري، بل هو رمزٌ للهوية المصرية، وحرمٌ للثقافة والتاريخ ومنارة للتواصل الحضاري. احترام المكان هو احترامٌ لتاريخنا، وحفاظٌ على صورتنا أمام العالم، وضمانٌ لبقاء المتحف مساحةً تعبر عن وحدة الإنسانية بعيدًا عن النزاعات أو الصراعات أو المصالح الشخصية الضيقة.





