ماجد سوس
منذ البدء، خُلقت المرأة على صورة الله مثل الرجل تمامًا، في كرامة وحرية ومسؤولية. فالله لم يقل "نصنع الرجل فقط"، بل قال: «نَعْمَلُ الإِنسَانَ عَلَى صُورَتِنَا... ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُم» (تكوين 1:26-27). وهكذا بدأت رسالة المرأة في فكر الله كشريكة للرجل في حمل صورته وفي بناء ملكوته على الأرض، لا كمُتلقّية سلبية، بل كفاعلة وشاهدة.
 
في العهد القديم، تألقت نساء كثيرات في العمل الروحي والتبشير بطرق متنوعة. فمريم أخت موسى كانت نبية تضرب بالدف وتقود الشعب في تسبيح الخلاص بعد عبور البحر، ودبورة القاضية والنبيّة حكمت إسرائيل وقادت الجيش للنصر على سيسرا، وأنشدت مع باراق ترنيمة تمجّد اسم الرب. أما خلدة النبية فقد فُوِّض إليها الملوك لتفسير كلمة الله في أزمنة الظلمة. وراعوث الموآبية، بإيمانها البسيط وأمانتها، صارت من نسل المسيح، بينما أستير الملكة خلّصت شعبها من الهلاك بشجاعة الإيمان، لتثبت أن الله يعمل من خلال نساء شجاعات يؤمنّ ويصمتن أمام الخطر ويشهدن له بالفعل قبل الكلام.
 
وفي العهد الجديد، بلغت المرأة قمة رسالتها الروحية. مريم العذراء صارت أول مبشّرة بالتجسد الإلهي، تحمل المسيح في أحشائها وتقدّمه للعالم. وأليصابات باركت العذراء بروح النبوة، وحنّة النبية بشّرت بالخلاص عند الهيكل. ثم مريم المجدلية التي صارت أول من رأى المسيح القائم وأول مبشّرة بالقيامة، لتُلقّب بحق "رسولة الرسل".
 
أما مريم ومرثا أختا لعازر فكان بيتهما موضع راحة الرب وخدمته، ومارثا تعلّمت أن الخدمة لا تُفهم إلا في نور الجلوس عند قدمي المسيح كما فعلت أختها. نرى أيضًا بريسكيلا التي شرحت طريق الله لأبلوس، وليديا أول مؤمنة في أوروبا التي فتحت بيتها للرسل، ونساء أخريات خَدَمن بولس في الكرازة مثل فيبي "شماسة كنيسة كنخريا"، ويونيّة "المشهورة بين الرسل"، وأفودية وسنتيخي اللواتين جاهدن معه في الإنجيل.
 
أما في عصرنا الحديث فلا يسعفني الوقت والمساحة لأقص لكم عن تاماف إيريني (رئيسة دير أبي سيفين) – كانت تعظ الراهبات والزائرات في الدير بكلمات روحية عميقة، وتفسيرات كتابية بسيطة ومؤثرة، وكتبت عنها الكنيسة عظات كثيرة سُجلت بصوتها.
 
  الأم كيرية الأنطونية – كانت تقدم إرشادات
روحية وتأملات لكل من يأتيها، وأقوالها تُعتبر عظات حقيقية عن الصلاة والاتضاع. أم عبد السيد – كانت تتكلم بعفوية ملهمة، تُشجّع الناس على التوبة والثقة في الله. كثيرون كانوا يأتون إليها يسمعون منها كلمة من الروح القدس.  الأم أثناسيا – كانت تتحدث مع الراهبات عن محبة الله والإيمان العملي، وكانت عظاتها تُسجَّل أحيانًا ككلمات روحية في أديرة القاهرة. الخادمة أم أنطوني (من القاهرة) – كانت تعظ في اجتماعات نسائية في بعض الكنائس القبطية، خاصة في الثمانينيات والتسعينيات، عن حياة الصلاة والعطاء.
 
هؤلاء النسوة لم يكنّ صامتات، بل مبشّرات وكارزات، خادمات بالكلمة، بالتسبيح، وبالأفعال. إن قول بولس الرسول: «لَسْتُ آذَنُ لِلمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلا أَنْ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ» (1 تيموثاوس 2:12) لم يكن حظرًا أبديًا على خدمة المرأة، بل توجيهًا رعويًا خاصًا لزمن كان فيه التعليم مختلطًا بالفوضى والمجادلات، بينما نفس بولس يمدح فيبي وبريسكيلا ونساء كثيرات خَدَمن معه في الكرازة، ما يؤكد أن المرأة لم تُمنع من التعليم، بل دُعيت أن تمارس خدمتها بلياقة وترتيب.
 
واستمر عمل المرأة كخادمة ومبشّرة. فكما كانت هناك شماسات في القرون الأولى كنّ يساعدن في خدمة المعمودية للنساء والعناية بالمرضى والمحتاجين، حيث كانت لهن أدوار في الترتيل والتعليم الروحي. هكذا في العصر الحديث، أعاد البابا شنودة الثالث الاعتبار لخدمة المرأة، فسمح لإيبارشية لوس أنجلوس وغيرها بتكريس شماسات يساعدن في خدمة التسبيح خارج الهيكل، ويقدمن المساعدة في توزيع البركة وتنظيم المتناولين، لتظل المرأة صوتًا مقدّسًا في العبادة وشريكًا في بناء الجسد الواحد.
 
المرأة في المسيحية ليست صدى لصوت الرجل، بل نغمة أساسية في لحن الكنيسة. صوتها في التبشير، دموعها في الصلاة، وحنانها في الخدمة كلها شهادة حيّة للمسيح القائم في كل جيل، لأنه في المسيح ليس ذكر ولا أنثي، ولا رجل ولا أمرأة بل الجميع واحد.