15 نوفمبر 2025
الدكتور مهندس/ماهر عزيز

نيافة الحبر الجليل/ الأنبا بولس أسقف أوتاوا ومونتريال وشرق كندا :  لاتعتذر عن الصواب الذي فعلته  

الحدث
أصدر نيافة الأنبا بولس أسقف أوتاوا ومونتريال وشرق كندا  بيانًا بشأن ما أُثير حول قيامه برسامة شماسات في كنيسة السيدة العذراء بمدينة كيبك سيتي الكندية، قال فيه : "لم تكن رسامة .. بل كانت تخصيصا لهن لخدمة تتعلق بالسيدات والمرضى، ولا تتعلق بخدمة الهيكل أو القراءات الليتورجية"،
وقال نيافته : "إن الفيديو المتداول قد تم تصويره قبل بدء الصلوات"، لكنه حرص على الإعلان أمام الحاضرين في الكنيسة أن هؤلاء الفتيات ليس مسموحا لهن بالخدمة في الهيكل أو قراءة أي قراءات ليتورجية، وأن عملهن ينحصر في خدمات الوقوف في الصفوف الأولى مع الشعب أمام مقاعد السيدات، والمشاركة في التسبيح لإتقان الألحان ومردات القداس التي يشارك فيها كل الشعب، ومساعدة المسنين والمرضى من السيدات في الوصول إلى أماكنهن في الكنيسة وأثناء التقدم إلى التناول، والقيام بأعمال النظافة في الكنيسة كلما طلب منهن ذلك، والقيام بأي أعمال مساعدة في الخدمة الكنسية بعيداً عن الخدمة الطقسية.

وأكد نيافته أن المناداة التي تمت لم تكن "رسامة شماسية"، لأنها لم يتم وضع اليد فيها عليالرأس، بل كانت   Recognition
وأضاف نيافته بأنه قد  أخطأ "بالطبع" في أن يتم "الـريكوجنيشن" أثناء القداس، وهو ما
اعتذر عنه.

دواعي الحدث
أصدر نيافة الأنبا بولس بيانه علي أثر هجوم صارخ ممن يصفون أنفسهم "بحماة الايمان"، ومن المتحجرين الذين يعتبرون رسامة شماسات بالكنيسة - بحسب مفهومهم الضيق الجهول - خروجا علي "نظام وطقس الكنيسة الذي تسلمته من المسيح ومارمرقس والآباء الأولين"، ما صنع بلبلة شديدة ولغطا ضخما بين جموع الأقباط الأرثوذكس، وظهر جليا في الهجوم والدفاع والهجوم المضاد والرد العنيف ضده علي السوشيال ميديا.

نيافة الأسقف الجليل :  لا تعتذر .. لا تعتذر
الحق أنني أود أن أرفع عقيرتي بأعلي نداء قوي ليصل من القاهرة إلي الأنبا بولس في كندا، وأقول لنيافته : 
"لا تعتذر مطلقا نيافة الأسقف الجليل، فلا شيء يمكنك الاعتذار عنه فيما فعلت .. إن المهاجمين غير الفاهمين يحتاجون إعادة تعليم واعادة فهم واعادة تأديب". 
"وكم تمنيت أن تؤكد صحة ما فعلت برسامة شماسات، وتصحح خطأ في المفاهيم، والمعرفة بحق الإنجيل للمتغولين بالهجوم عن جهل".

الأساس الإنجيلي
لقد قال الرسول بولس فى رسالته لأهل رومية :  “أُوصِي إِلَيْكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي، الَّتِي هِيَ خَادِمَةٌ لِكَنِيسَةِ كَنْخَرِيَا"   
و"خادمة" أو "دياكون" فى اللغة اليونانية هي نفسها  “شماس" أو "شمّاسة" المستخدمة الآن لنفس الدلالة، لكنها في عقول الأصوليين الأرثوذكس مجرد جليسة أطفال أو حككاءة في مدارس الأحد، بينما الرسول بولس يؤكد : "خادمة لكنيسة كنخريا"، أي لكل الكنيسة .. لكل الشعب في الكنيسة .. في كل مكان في الكنيسة .. من باب الدخول إلي الهيكل.

مريم المجدلية كانت من أكتر أتباع يسوع إخلاصا وخدمة،
ومريم أخت مرثا ولعازر جلست عند قدمي يسوع واستمعت إلى تعليمه، وكانت من أقرب الفتيات لخدمته،
ومرثا أخت مريم ولعازر، كرمت يسوع باستضافته في بيتها وخدمته،  
ومريم أم يعقوب وأمهات أخريات رافقن يسوع من الجليل، ونظرن القبر ورجعن وأعددن حنوطًا وأطيابًا لجسده، ما يؤكد تفانيهن في خدمته 
وإخلاصهن له،

وفيبي خادمة كنيسة كنخريا أوصى بها بولس الرسول قائلا : "هي التي كانت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضا"،
اشتركن جميعهن في الخدمة أثناء حياة السيد المسيح علي الأرض، 
فلو قصد المسيح إبعاد المرأة عن الخدمة وعن الليتورجيا لكان الأولى أن يعلم بذلك، وما كان  
لبولس الرسول أن يرسم فيبي وغيرها شماسات.

دلالات الاعتذار
عرض الصديق الدكتور جميل ويصا ثلاث دلالات للاعتذار الذي قدمه نيافة الأسقف، وذلك علي النحو التالي : 
1 - أن الأسقف قد تعرض لضغط معنوي شديد فآثر السلامة؛
2 -  أن البابا لا يستطيع مواجهة المدعين بحماية الإيمان حتى الآن؛
3 - أن الأرثوذكسية - كنيسة وشعبان - لن تبرح جمودها في المدى القريب.

القوة المفقودة  في المجمع والرئاسة الكنسية
يبدو هذا صحيحا تماما، والحل هو أن تلبس  الكنيسة ترس الإيمان، وتمسك بسيف الروح، وتكسب في ذاتها شجاعة المسيح .. فتدافع برجولة وحزم عن صحيح الإنجيل، وتقف بصلابة امام المهاجمين، ولا تخضع ابدا لابتزازهم.
 لماذا يعتذر الأسقف أصلا عن فعل لم يكن خطأ ..   فرسم شماسات بالكنيسة ليس خطأ أبدا ليقدم عنه اعتذارا، فالاعتقاد بالخطأ هو من رواسب العهد القديم الذي أغلقه المسيح بالفداء.

لا يزال العهد القديم  يمسك برقاب الإكليروس و الكنيسة 
الحق إن الفكر الذي تسلط في العهد القديم لا يزال يهيمن علي الإكليروس والكنيسة، ومن جهة أخري يهيمن الفكر الذكوري المتغلغل في الإكليروس والكنيسة بمقتضي التأثر الطويل عبر قرون وقرون بالثقافة الغازية الآتية من الجزيرة السلفية الوهابية، ليتضافر في صنع التحكم، متغطيا بمقولات متهافتة يدعي أنها قد نقلت عن التقليد المسلم من الآباء في الكنيسة الأولي.

ويؤسس الرافضون الأصوليون هجومهم علي صنع مقارنة - لا تجوز - تستخدم فيها السيدة  العذراء مريم عندما نذرها أبواها للهيكل، أخرجت منه  قبل سن البلوغ بحسب الأحكام اليهودية، ويؤكدون رفضهم هذا استنادا إلي أن بقاء العذراء بالهيكل بعد البلوغ  لو كان ينفع لكانت العذراء هي أول الكهنة.

ويزيدون في تأكيد الرفض بأن السيد المسيح كان يعلم أن العذراء يهودية، ولو أرادها تخدم في الهيل لكان قد غير الشريعة اليهودية مثلما  غير أشياء كثيرة كان يقول عنها : "قيل للقدماء  .....  أما أنا فأقول لكم........".

يسوع قد أغلق الشريعة
لكن الحقيقة هي أن السيد المسيح لم يكن ممكنا أن يتجاوز الشريعة إلا بالفداء .. فكان عليه أولا أن يصادق علي الناموس بكامله ويتممه بالفداء، حتي قال : " ما جئت لأنقض بل لأكمل "، فلم ينقض شريعة واحدة لكنه أكمل الشرائع كلها وأتمها بالفداء علي الصليب، كشاة "تساق إلي  الذبح"، ذبيحة نهائية أغلقت الذبائح اليهودية الخمس نهائيا وإلى الأبد، بعدما حققتها بمقتضي الوعد الإلهي الضارب في النبوات كلها .. وبالفداء أعلن المسيح العهد الجديد الذي أغلق الناموس نهائيا، وطرح في الناس عهد النعمة .. وفي عهد النعمة سقطت مفاهيم واحترازات العهد القديم المقيد بالذبائح، لأن ذبيحة المسيح غسلت عار كل القيود فصارت مقدسة في شخصه الأعظم.

فليسقط كل هجوم غاشم وكل تغول من غير الفاهمين
لقد بلغ الهجوم درجة فادحة في التخويف والتهديد والتغول، فتطاول الكثيرون بأن : "الأساقفة الذين لا يحافظون على نظام وطقس الكنيسة يتعين أن يتركوا الأسقفية ورهبنتهم علي الفور"،  تحت ادعاء أنهم يفرطون "في التقليد الذي تم تسلمه منذ عشرين قرنا من الزمان من السيد المسيح ومارمرقس والآباءالأولين"
 وغير مدركين أن ما أكد عليه الإنجيل من أقوال وأفعال السيد المسيح يدعم رسامة الشماسات، وما أكد عليه الآباء الأولو.ن هو عين ما أكده بولس الرسول قولا وفعلا في رسامة الشماسات

الهجوم والخرافة يبلغان الذروة
ويتهجم المعارضون الجهال بترهيب وترعيب أفجع، طارحين تصورا أخرق لا يجوز بأن : "الأسقف الذى يرسم شماسات (مخالفاً قوانين وطقس الكنيسة) [بحسب هواجسهم]، سيرسم فيما بعد كاهنات لندخل فى نفق أسود دخله آخرون ورسموا أساقفة نساء" .. هكذا يبلغ جنون الترهيب للكنيسة والإكليروس بتخوفات غير موجودة مطلقا، ولا يمكن ان تحدث، لأن ما هو مقرر في الكنيسة الأولي وفي خدمة المسيح محصور في مشاركة الشماسات مشاركة عضوية عميقة في الخدمة الكنسية كلها .

إن الزعم بمخالفة قوانين وطقوس الكنيسة يسقط اذا أدركنا أن لا نص بالتحريم موجود مطلقا في القوانين الكنسية والطقس الكنسي، فإذا كانت القوانين تتكلم عن الشمامسة الذكور لم تتكلم بالمنع أو بالحجر علي شماسية الإناث، والطقس كان دائما متطورا بإضافات وتفاصيل تعبدية تقبل دائما كل ما هو لصالح الكنيسة التي هي جماعة المؤمنين، وصالح الكنيسة الآن يحتم رسامة الشماسات كي تقوي الكنيسة أكثر وأكثر بمشاركة فعالة وضرورية من جانب الشماسات، علي الأخص في بلاد المهجر.

ويتهافت كذلك الزعم بأن تاريخ الكنيسة لا يحفظ أي طقس لرسامة الشماسات، ذلك لأن تاريخ الكنيسة والطقس ارتبطا ارتباطا عضويا  بدونية المرأة، والظلم الذي عانته بمقتضي التقاليد الاجتماعية، التي عمقها انعدام استقلالها الاقتصادي والفقر، واعتماديتها المطلقة علي الرجل، فلم يكن ممكنا ان تحظي المرأة هكذا حتي بالحق في التعليم، ناهيك عن الحق في الشماسية، ما غرس - باطلا وبهتانا - في الكنيسة وفي الشعب اعتقادا سيئا مغلوطا بأن الطقس وقوانين الكنيسة يحكمان بأن الشماسية ليس للمرأة فيها نصيب، بينما طقس الكنيسة وقوانينها من هذه الفرية وهذا الهراء براء.

ومن المؤسف أن تهتز وتتراجع الكنيسة وقيادتها الروحية والأدبية أمام أي هجوم لغير الفاهمين، وأي تغول للجهال والمدعين ..

وبدل أن تقف بصلابة لتبين للجميع صدقها وتطابقها مع الحق المسيحي، تخذل الجميع وتعتذر عن الصواب الذي تفعله
إن مجرد الاعتذار من قبل البابا أو مجمع الأساقفة أو أسقف أو الإكليروس عموما في غير موضعه يطرح في الكنيسة والشعب لاتيقنية سيئة تفت في عضد الاعتقاد والإيمان المسيحي، ما يرين بظلال قاتمة علي الشعب كله، أقربها أن أحد الإكليروس قد أخطأ والثقة في الاكليروس جميعا تتعرض للتدمير.

لا يمكن بحال أن يكون كل الأساقفة الذين رسموا شماسات في الكنيسة قد فعلوا الصواب حقا ثم يعتذرون عنه ..

لا يمكن أن يكونوا علي صحيح الإنجيل والطقس ثم تأتي اعتذاراتهم وتراجعاتهم لتلقي 
في روع الشعب أنهم قد سقطوا في الخطأ ..

أساقفة أمثال نيافة الأنبا دانيال (المعادي)، والانبا يوأنس (أسيوط)،  والأنبا اسحق (طما)، والأنبا بولس (كندا) وغيرهم، قاموا برسامة شماسات، وفي كل مرة يتكرر نفس السيناريو :  عدم التمسك بالحق والتذبذب فيه، وتأثيم الفعل السليم بتراجعات واعتذارات مؤذية.. بينما جميعهم قد فعلوا الصواب طقسيا وقانونيا.

نهيب بقادة الكنيسة الصلابة في المواجهة
اننا لنهيب بقادة الإكليروس ألا ينهزموا ويتراجعوا أمام اقتحام الجماهير وشعبويتهم وجهلهم، بل بصلابة الحق التي للمسيح يسوع يتمسكوا جيدا بقراراتهم، ويدافعون عنها  دون تراجع ودون تذبذب ودون أدني تخوفات.