قوائم لا تعبر عن الناخبين..والفردي يحكمها المال السياسي..فهل من استجابة؟

بقلم/ نادر شكري 

شكّل تدخل القيادة السياسية اليوم في مناقشة ما أثير حول العملية الانتخابية لحظة مهمة في المشهد العام، حيث عبّر التصريح الرئاسي بوضوح عن إدراك الدولة لحساسية المرحلة وحرصها على تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات. وقد لاقى هذا التدخل ارتياحًا لدى قطاعات واسعة رأت فيه تأكيدًا على المتابعة الدقيقة لما يشهده الشارع من نقاشات واعتراضات، وعلى أن الدولة ليست بعيدة عمّا يتداوله المواطنون بشأن العملية الانتخابية.

وفي ظل هذا المناخ، برزت موجة واضحة من الأصوات الشعبية التي أعادت طرح مطلب إعادة الانتخابات من بدايتها، استنادًا إلى مجموعة من الوقائع والمشاهدات التي أثارت جدلًا واسعًا حول عدالة التمثيل ونزاهة البيئة التنافسية. وبعد اتساع هذا الجدل، أصبح مطلب إعادة الانتخابات بالنسبة لعدد كبير من المواطنين ليس مجرد رد فعل على تجاوزات أو مخالفات، بل نتيجة لاقتناع بأن العملية برمّتها تحتاج إلى إعادة تنظيم شاملة لضمان تعبيرها الحقيقي عن إرادة الناخبين.

شهدت الساحة السياسية اهتمامًا واسعًا بالتصريحات الأخيرة الصادرة عن القيادة السياسية بشأن العملية الانتخابية، والتي عبّرت بوضوح عن حرص الدولة على الحفاظ على نزاهة الاستحقاقات الدستورية واحترام إرادة المواطنين. وقد أعطى هذا التدخل رسالة إيجابية للمجتمع، وأعاد التأكيد على أن العملية الانتخابية يجب أن تبقى أداة تعكس إرادة الشعب لا غير.

وفي هذا السياق، برزت مجموعة من الملاحظات والاعتراضات التي عبّر عنها مواطنون ومراقبون حول ما رافق الانتخابات من إجراءات أثارت نقاشًا واسعًا، وهو نقاش صحي وطبيعي في أي مجتمع يسعى نحو تعزيز مسار المشاركة السياسية.

أولًا: ملاحظات حول تشكيل القوائم ومعايير الاختيار

أثيرت تساؤلات حول مدى تعبير القوائم الانتخابية عن القاعدة الشعبية، حيث رأى البعض أن بعض الترشيحات لم تأت من النطاق الجغرافي أو الاجتماعي للدوائر التي مُثّلت فيها. هذا الأمر ترك شعورًا لدى بعض الناخبين بأن عملية الاختيار لم تراعِ التمثيل الحقيقي للمجتمع.

ثانيًا: تمثيل المرأة بين الشكلية والتمكين

على الرغم من تخصيص مقاعد للمرأة بهدف تعزيز مشاركتها في الحياة السياسية، إلا أن النقاش تركز حول طبيعة الاختيارات وما إذا كانت تستند إلى الكفاءة والفاعلية، أم أنها جاءت في بعض الحالات بصورة شكلية، بما يحد من دور المرأة الحقيقي في الحياة التشريعية.

ثالثًا: ملاحظات حول استخدام كوتة الأقباط

أشار بعض المتابعين إلى أن تخصيص المقاعد الموجهة للأقباط استُخدم بطريقة غير مباشرة لتسكين أعداد كبيرة من المرشحات، بهدف فتح المجال لمرشحين آخرين في مواقع مختلفة، وهو ما أثار نقاشًا حول مدى التزام هذه الاختيارات بروح التمثيل المتوازن.

رابعًا: المال السياسي والحشد عبر الجمعيات

أحد أبرز مظاهر الجدل كان يتعلق باستخدام المال السياسي، سواء عبر الحشد المباشر أو من خلال ربط المساعدات التي تقدمها بعض الجمعيات بخيارات الناخبين، مما وضع فئات من البسطاء تحت ضغط غير مرغوب، وأثّر على تكافؤ الفرص بين المرشحين.

خامسًا: انسحاب مرشحين بسبب التجاوزات

شهدت الانتخابات انسحاب عدد من المرشحين المحسوبين على التيار المحترم والمهني، الذين أعلنوا أن انسحابهم جاء اعتراضًا على ما وصفوه بممارسات غير منصفة. وقد أثّر ذلك على مستوى المنافسة، وأثار تساؤلات حول مدى توافق البيئة الانتخابية مع معايير العدالة والنزاهة.

سادسًا: غياب المنافسة في القوائم

الجدل الأوسع ربما كان يتعلق بغياب المنافسة في نظام القوائم، الذي يمثل نصف مقاعد المجلس، بعد استبعاد القوائم الأخرى لصالح القائمة الرئيسية. هذا الوضع جعل شريحة من المواطنين ترى أن الانتخابات فقدت عنصر التنافس الضروري لتمثيل الإرادة الشعبية بصورة كاملة.

إن النقاش حول العملية الانتخابية هو جزء أساسي من مسار أي دولة تسعى لتقوية مؤسساتها الديمقراطية، ولا شك أن التصريحات الأخيرة للقيادة السياسية حملت رسالة واضحة مفادها أن الدولة حريصة على تصحيح المسار عند الحاجة، وضمان أن تعكس الانتخابات إرادة المواطنين الحقيقية.

وتبقى معالجة هذه الاعتراضات ومناقشتها علنًا خطوةً مهمة نحو تعزيز الثقة بين الناخب والمشهد السياسي، وتطوير آليات تضمن تمثيلًا أكثر شفافية وعدالة في المستقبل.