أحمد الخميسي 
مازالت العلاقة بين الفن والجمال موضوعا مفتوحا للاجتهاد والتفكير تعددت فيه الرؤى، وفي ذلك المضمار كان الفيلسوف الألماني "ايمانويل كانت" يرى أنه لا غاية للفن سوى المتعة الجمالية الخالصة، أي أن الجمال يتجلى في الفن، لكن ما هو الجمال؟ لم يكن أحد على يقين من تعريف واضح للجمال، وعلى سبيل المثال فقد ربط أفلاطون بين الجمال والخير والحق، وربط آخرون الجمال بمفاهيم فيزيائية جسدية كالقول بأن ما يسر العين جميل، وربطه آخرون بالنفسية، وغير ذلك.

وخلال ذلك لم يظهر مصطلح " علم الجمال" بصفته علما مستقلا عن الفلسفة إلا عام 1750 مع كتاب باوم جارتن" علم الجمال"، وفيه اعتبر الكاتب أن الجمال يقوم على منطق الشعور خلافا لمنطق العقل، وتوالت الأبحاث في ذلك المجال لعل من أهمها كتب الفيلسوف الفرنسي شارل لالو " مباديء علم الجمال" و " الفن والحياة الاجتماعية" الذي يجتهد لرؤية ارتباط المفاهيم الجمالية بالشروط الاجتماعية. ولكن هناك مقالا بديعا في ذلك الموضوع كتبه ليف تولستوي مؤلف الحرب والسلام،

يطرح فيه الموضوع ليس فقط ببساطة ولكن بعمق وفهم نادرين، ويقول في ذلك إن " كل انسان بسيط مقتنع تمام الاقتناع بأن " الجمال هو مضمون الفن"، فإذا سألت ذلك الانسان هل يعتبر أن الأوبريت والبالية أيضا من الفنون؟

سيرد عليك لكن بنوع من الشك : نعم".

ويضيف: " وقد تعددت محاولات تحديد "الجمال المطلق في حد ذاته" بدءاً من القول بأنه:"محاكاة الطبيعة"، و"التوافق والتلاؤم"، و"ترتيب الأجزاء على نحو متماثل" (السيمترية)، و"التناسق والانسجام"، و"وحدة التنوع"، إلى آخر كل ذلك، والحق أن كل تلك التفسيرات، إما أنها لا تحدد شيئاً على الإطلاق، أو أنها تلتقط وتحدد فقط بعض الملامح المميزة لبعض من حالات الإبداع الفنى، ومن ثم فهي لا تشمل كافة جوانب ما اعتبره الناس دوماً، وما يعتبرونه الآن "الفن".

والحق انه ليس لدينا حتى الآن تحديد موضوعي للجمال. أما نظرية الفن، القائمة على "الجمال"، والتي تطرح نفسها في ملامح جمالية مبهمة، فإنها لا تزيد في الحقيقة عن كونها اعترافا بأن الفن الجيد، هو ما يعجب الناس، أي ما يعجب وسطاً محدداً من الناس".

ويصل تولستوي إلى أن الجمال مفهوم نسبي، ومتغير، ويدلل على ذلك بأن الباليه الذي يعجب به الجمهور في فرنسا لن يلقى أي اعجاب إذا عرض على قبيلة في أفريقيا، ويتغير مفهوم الجمال حتى بالنسبة إلى المرأة ، وكانت البدانة في وقت ما من ملامح جمال المرأة، وهكذا فإن الجمال متغير، وفي علاقته بالفن، يمثل جزءا يعبر به الفن عن رسالته الحقيقية وهي التواصل بين البشر، ويتوسل الفن بالجمال لكي يبلغ غايته الحقيقية.
نقلا عن الدستور