د. عايدة نصيف
يشهد العالم اليوم حالة من السيولة السياسية والاقتصادية، جعلت مسار العلاقات الدولية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. فقد تزايدت حدة التوترات بين القوى الكبرى، وتنامت الصراعات الإقليمية، وبرزت تحديات عابرة للحدود مثل الأوبئة والتغير المناخي والتقلبات الاقتصادية. كل ذلك أسهم في إعادة تشكيل خريطة النفوذ الدولي وطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النظام العالمي.
اولها عودة المنافسة بين القوى الكبرى ومن أبرز ملامح المرحلة الراهنة اشتداد التنافس بين القوى العالمية، لاسيما الولايات المتحدة والصين وروسيا. هذا التنافس لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد إلى مجالات التكنولوجيا والتجارة والطاقة والنفوذ الجيوسياسي.
ويبدو أن العالم يتجه نحو نموذج متعدد الأقطاب، حيث تتراجع الهيمنة الأحادية لصالح شبكة معقدة من التفاعلات بين قوى تسعى إلى تثبيت مواقعها أو توسيع نفوذها.
وثانيها صعود التحالفات المرنة بدلاً من التحالفات التقليدية فقد شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً في ثبات التحالفات التقليدية، مقابل ظهور ما يمكن تسميته بـ"التحالفات المرنة". هذه التحالفات تُبنى على المصالح المتغيرة، وقد تتشكل وتتفكك بسرعة وفقاً للظروف.
وأصبحت الدول اليوم أكثر ميلاً للحفاظ على استقلالية قرارها، والبحث عن شراكات متعددة بدلاً من الارتباط بمحور واحد. وهذا التحول يزيد من صعوبة توقع طبيعة العلاقات الدولية مستقبلاً.
اما الاشكالية الثالثة دور التكنولوجيا في إعادة رسم النفوذ الدولي اذ لا يمكن فصل مستقبل العلاقات الدولية عن الثورة التكنولوجية المتسارعة، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات والطاقة النظيفة.
ومن ثم أصبحت التكنولوجيا ورقة ضغط سياسية واقتصادية، تستخدمها الدول لتعزيز مكانتها أو التأثير على خصومها. ومن المتوقع أن تتحول المنافسة التكنولوجية إلى أحد أهم عناصر الصراع الدولي في السنوات المقبلة.
بالاضافة الى طرح القضية الرابعة الا وهى التحديات العابرة للحدود كمحرك للتعاون أو الصراع
فالتغير المناخي، مثل الهجرة، الجرائم السيبرانية، والأزمات الصحية، كلها قضايا لا تعترف بالحدود الجغرافية.هذه التحديات قد تدفع الدول نحو تعزيز التعاون العالمي، لكنها في الوقت ذاته قد تكون سبباً في نشوء خلافات جديدة، خصوصاً إذا غلبت المصالح الضيقة على الرؤية المشتركة.
واخيرا موقع الدول النامية في المشهد الدولي الجديد اذ تسعى العديد من الدول النامية إلى استثمار التوترات بين القوى الكبرى لتعزيز موقعها التفاوضي وبناء شراكات اقتصادية واستراتيجية.
ومن المتوقع أن تلعب هذه الدول دوراً أكبر في قضايا الطاقة، الأمن الغذائي، والتجارة، ما يجعلها عناصر مؤثرة في صياغة مستقبل العلاقات الدولية.
وفي ظل التوترات المتصاعدة، يبدو العالم مقبلاً على مرحلة من إعادة التشكل الجيوسياسي، تزداد فيها التعقيدات والفرص على حد سواء.
قد لا يكون النظام العالمي القادم قائماً على الاستقطاب الحاد بقدر ما سيكون شبكة متعددة المسارات، تتداخل فيها المصالح وتتقاطع فيها التحالفات، ويتغير فيها ميزان القوى باستمرار.
ويبقى مستقبل العلاقات الدولية مفتوحاً على عدة سيناريوهات، لكن المؤكد أن العالم يدخل حقبة جديدة تتطلب مرونة سياسية، وحكمة دبلوماسية، ورؤية استراتيجية تتجاوز حدود الصراع نحو بناء استقرار عالمي مستدام.
نقلا عن فيتو





