د. أحمد الخميسي 
تعددت مؤخرا جرائم قتل المرأة وأبرزها ما جرى في مطلع نوفمبر الحالي في المنوفية حين أقدم رجل على قتل زوجته وطفلهما البالغ من العمر ستة أشهر بطريقة وحشية بسبب شكوكه في سلوكها. والمدهش أن القاتل صور الضحيتين ونشر صورهما في فيس بوك.
 
ولا يوفر المجلس القومي للمرأة الذي تم انشاؤه عام 2000 أي احصائيات عن عدد جرائم قتل المرأة، بينما تفيد مراصد حقوقية بأن عام 2024 شهد وقوع أكثر من ثلاثمئة جريمة قتل نساء مما يشكل أكثر من 12 % من اجمالي عدد الجرائم، مما يعني وقوع حوالي ألف ومئتي جريمة في السنة أي أربع جرائم يوميا،
 
وهي ليست نسبة مرعبة إذا قيست بما تبقى، إلا أن السؤال يتعلق بخصوصية دوافع قتل المرأة ومعظمها دوافع فكرية وثقافية وتراثية، خلافا لجرائم قتل الرجال التي لا تجمعها منظومة فكرية إذ يقع معظمها بسبب خلافات شخصية أو الثأر أو المال والرشوة، أي أن تلك الجرائم مرتبطة في معظمها بالفساد وبالأحداث الشخصية ولا تضمها عباءة فكرية من العادات والمفاهيم، خلافا لموضوع المرأة التي تنتقل الجريمة عنده إلى حد كبير إلى مجال الوعي والثقافة والتنوير ومكافحة الأفكار الراسخة بشأن المرأة وكونها مجرد تابع تكفي مجرد الشكوك في سلوكها لمنح الرجل حق القتل.
 
وتقع معظم تلك الجرائم على أيدي أفراد العائلة والأسرة، في اتصال وثيق بالغيرة، والشائعات، والتحرش، والأقاويل، والسمعة ومفهوم الشرف.
 
ولهذا أقول إن لتلك الجرائم منظومة فكرية تجمعها، ولا يمكن مواجهتها إلا بثقافة جديدة تتقدم بإصرار إلى مجاهل الريف والجنوب لتبدد ظلمة تلك العقلية التي تمجد في المواويل الشعبية الأخ الذي يقتل أخته حفاظا على السمعة والشرف. المعركة هنا ليست قانونية بل ثقافية في الأساس تستدعي برنامجا وخطة من قصور الثقافة ومن المجلس القومي للمرأة وأيضا من المنظمات المدنية، خطة تشتمل على عروض الأفلام التي تشيد بحرية المرأة، وحقها في أن تختار من تحب، ومسرحيات في ذلك الاتجاه، وملخصات للروايات التي طرحت القضية من زاوية مستنيرة.
 
وجدير بالذكر في هذا المجال أن رواية عميد الأدب العربي طه حسين " دعاء الكروان" تنتهي في الأصل بمقتل " آمنة " ( فاتن حمامة) ، وكان ذلك أقرب الى تصوير الواقع الذي تقتل فيه المرأة لا الرجل، لكن صناع الفيلم استسمحوا العميد في تغيير النهاية بحيث تصيب رصاصة خال " هنادي" الرجل ( أحمد مظهر)، لأن ذلك أنفع تجاريا لرواج الفيلم، ولم يرفض العميد. خلاصة القول إننا نواجه جرائم تتفجر بدوافع منظومة فكرية، ولا يمكن التصدي لها إلا بالعمل الثقافي.
 
هذا هو دور المجلس القومي للمرأة، وقصور الثقافة، والأدباء والمفكرين معا، ما دمنا نريد أن نحمي نصفنا الثاني الذي هدهدنا في طفولتنا، وأحبنا في شبابنا، وصان ضعفنا في سنوات الكبر، نصفنا الثاني الجميل الذي لا نستطيع أن نحيا بدونه. الزهور التي من دونها تفقد الحقول كل جمال.
 
نقلا عن الدستور