بقلم الأب يسطس الأورشليمى
الشهــيدان حلفــى وزكــا :
في وسط أتون الألام شاهد حلفى وزكا ما يناله الشهداء من عذابات ولكنهم في نفس الوقت عرفوا ما سيؤول إليه مصير هؤلاء الشهداء من أمجاد سماوية فكان يقبض على يدي الواحد من المسيحيين، ويؤخذ إلى المذبح، وتدفع إلى يده اليمنى تلك الذبيحة الدنسة، ثم يخلي سبيله كأنه قد ذبح للأوثان إذا ما قال الآخرون بأنه قد ذبح للأوثان، كان يؤخذ الآخر بين الحياة والموت، ثم يطرح جانباً كانه قد مات فعلاً، وتفك قيوده، ويحسب في عداد الذين ذبحوا، وعندما كان يصيح آخر شاهداً بأنه لن يطيع
 
، كان يضرب على الفم، ويخرسه جماعة ممن أتى بهم لهذا الغرض، ويدفع خارجاً بعنف، ولو لم يكن قد ذبح، وهكذا اعتبروا أنهم قد تمموا غرضهم، أما الوحيدان اللذان من كل هذا العدد الذين كللا بإكاليل الشهادة فهما حلفى وزكا، وقد قطعت رأس كل منهما كالشهيد السابق، بعد أن كابدا الجلد، وكشط الجلد، والوثق الشديدة التعذيبات الإضافية، والمحن الأخرى المتنوعة، وبعد أن مدت قدماه ليلاً ونهاراً في أربعة ثقوب في الدهق في اليوم الخامس عشر من شهرنوفمبر، وبعد أن إعترفا بالإله الواحد الوحيد يسوع المسيح ملكاً، كأنهما قد نطقا تجديفاً. 
 
الشهيد رومــــــانوس :
كان هذا الشهيد مواطناً الاراضى المقدسة، وشماساً وطارداً للأرواح في أبروشية قيصرية، وإذا كان حاضراً في أنطاكية لدى هدم الكنائس رأى رجالاً كثيرين من النساء والأطفال صاعدين زرافات إلى الأصنام ليذبحوا لها، ولكنه بسبب غيرته الشديدة للمسيحية لم يحتمل المنظر، فوبخهم بصوت مرتفع.
 
وإذ قبض عليه بسبب جرأته، برهن على أنه من أنبل الشهود للحق، لأنه عندما أخبره القاضي بأنه يجب أن يموت حرقاً، تقبّل الحكم بوجه باش وجنان ثابت، وعندئذٍ أخرج خارجاً، ولما شد على المقمطة، وكدست أكوام الخشب حول جسمه، وكانوا ينتظرون وصول الإمبراطور قبل إشعال النار صرخ قائلاً: " أين النار التي أعدت لي؟ ".
 
وإذ قال هذا إستدعي ثانية للمثول بين يدي الإمبراطور، وعذب بتعذيب غير عادي بقطع لسانه، ولكنه تحمّل هذا ببساطة، وبرهن للجميع بأعماله أن القوة الإلهية تحل مع كل ممن يتحملون أية صعوبة من أجل المسيحية، مخففة آلامهم ومشددة غيرتهم، ولما عذب ذلك الرجل النبيل بهذه الطريقة الغريبة من التعذيب لم يفزع، بل أخرج لسانه بارتياح، وقدمه بكل سرور لمن قطعوه.
 
وبعد هذا التعذيب زج به في السجن، ولبث فيه وقتاً طويلاً، وأخيراً إذ اقترب عيد الإمبراطور العشرين حيث منحت الحرية لجميع من كانوا في القيود طبقاً للعادة المتبعة، بقي هو وحده مشدودة قدماه في خمسة ثقوب الدهق، ومن ثم شنق، وهكذا نال إكليل الشهادة كرغبته. وبالرغم من أنه كان خارج بلاده إلا أنه كان مواطناً الاراضى المقدسة، ومن اللائق اعتباره ضمن شهداء الاراضى المقدسة. حدثت هذه الأمور على هذا الوجه في السنة الأولى، عندما كان الإضطهاد موجهاً إلى رؤساء الكنيسة فقط.
 
الشهيـــد تيمـوثــاوس :
في السنة الثانية إشتد جداً الإضطهاد الموجه إلى المسيحيين في ذلك الوقت كان أوربانوس والى تلك المنطقة، ووصلته أوامر من الإمبراطور تأمر جميع الشعب أن يذبحوا للأوثان في الحال، في المدن المختلفة، ويقدموا إليها سكائب، وفي غزة - إحدى مدن الاراضى المقدسة – عانى تيموثاوس تعذيبات لا تحصى، ثم عرض لنار بطيئة ضعيف ، وإذ قدم بصبره في كل آلامه دليلاً قوياً على التقوى الحقيقية من نحو الله حمل إكليل النصر الذي يحمله أبطال الإيمان.
 
ومن ذا الذي شهد بهذه الأمور دون أن يعجب بها، أو من ذا الذي سمع بأنبائها دون أن يدهش؟ لأنه عندما كان الوثنيون في كل مكان يحتفلون بأحد الأعياد ويقيمون المعارض المعتادة أطلق نداء بأنه علاوة على المسامرات الأخرى سيطرح للوحوش أولئك الذين حكم عليهم أخيراً بهذا ز
 
ولما إزداد إنتشار هذه الأنباء في كل مكان تقدم ستة من الشبان، وهم تيمولاوس من أهل بنطس، وديونيسيوس من طرابلس في فينيقية، وروميلوس وهو شماس مساعد في أبروشية ديوسبوليس وبيسيس والاسكندر وهما مصريان، وشخص آخر باسم الاسكندر من غزة. وإذ أوثقت أيدي الجميع أولاً، ذهبوا مسرعين إلى أوربانوس الذي كان موشكاً أن يفتح المعرض، وأظهروا حماسة شديدة نحو الإستشهاد وأعترفوا بأنهم مسيحيون، وبترحيبهم بكل الأهوال أظهروا أن الذين يفتخرون بديانة إله الكون لا يخورون أمام هجمات الوحوش.
 
وللحال طرحوا في السجن بعد أن بعثوا إندهاشاً عجيباً جداً في نفس الوالي والذين معه، وبعد أيام قليلة أضيف إليهم اثنان آخران، أحدهما اسمه أغابيوس، وقد تحمل في إعترافات سابقة وأهوالاً مروعة في أشكال منوعة، والثانى اسمه ديونيسيوس، جميع هؤلاء الثمانية قطعت رؤوسهم في يوم واحد بقيصرية، في اليوم الرابع والعشرين من شهر مارس.