محمد نبيل المصري
أعلنت تقارير دولية حديثة عن تقدم مصر خمسة مراكز في مؤشر الدول الأكثر تأثيراً حول العالم لعام 2024، لتحتل المرتبة 19 من بين 89 دولة بعد أن كانت في المرتبة 25 عام 2023، بينما سجلت المرتبة 28 عام 2017. هذا المؤشر يُعد أحد المخرجات الأساسية لتقارير “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” (US News & World Report) بالتعاون مع مجموعة من الباحثين وخبراء العلاقات الدولية، وهو جزء من تصنيف أوسع يعرف باسم أفضل الدول (Best Countries Report).
تاريخ المؤشر ومعاييره
ظهر المؤشر في نسخته الأولى عام 2016، بهدف قياس مدى تأثير الدول في العالم عبر استبيانات شملت عشرات الآلاف من الخبراء ورجال الأعمال والمواطنين من مختلف الجنسيات. ويستند المؤشر إلى مجموعة من المعايير، أبرزها:
1. القدرة العسكرية ومدى انعكاسها على موازين القوى الإقليمية والدولية.
2. التأثير السياسي والدبلوماسي وقدرة الدولة على قيادة الملفات الدولية.
3. القوة الاقتصادية ومكانة الدولة في التجارة والاستثمار.
4. الحضور الثقافي والإعلامي بما في ذلك دورها في نشر قيمها وهويتها.
5. الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية ودورها في قضايا الأمن الإقليمي.
هذه المعايير مجتمعة تساهم في صياغة صورة ذهنية عن الدولة، ليس فقط كقوة داخل حدودها، بل كلاعب مؤثر في السياسات الدولية.
وضع مصر في المؤشر
تقدم مصر إلى المركز 19 يؤكد أنّها أصبحت ضمن قائمة الدول ذات التأثير الفاعل، وهو إنجاز مهم في ظل التنافس العالمي الشديد. ويُلاحظ أن مصر تواصل الصعود منذ عام 2017 حين كانت في المركز 28، ما يعني أن هناك اتجاهاً ثابتاً نحو تعزيز المكانة الدولية.
أسباب صعود تأثير مصر
يمكن ربط هذا التقدم بعدة أسباب رئيسية:
1. الدور الإقليمي الفاعل: مصر تمثل دولة محورية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتقوم بدور الوسيط الأساسي في كثير من النزاعات، خصوصاً في الملف الفلسطيني، حيث تلعب دوراً قيادياً في التهدئة، وإدارة المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، إضافة إلى جهودها الإنسانية عبر معبر رفح ودعمها لإيصال المساعدات.
2. القدرة العسكرية: الجيش المصري يُعتبر الأقوى في المنطقة وفق تقارير “جلوبال فاير باور”، وهو ما يعزز من قيمة مصر كضامن للاستقرار الإقليمي، وكسد منيع أمام محاولات زعزعة الأمن في المنطقة.
3. الحضور الدبلوماسي: القاهرة تحولت إلى مركز للمفاوضات الدولية، فهي تشارك بفاعلية في قمم المناخ، وحوارات الطاقة، وتسوية أزمات السودان وليبيا، بالإضافة إلى حضورها القوي في الاتحاد الأفريقي ومنتديات التنمية.
4. الاستقرار الداخلي والإصلاحات الاقتصادية: رغم التحديات، فإن مصر واصلت مشاريع البنية التحتية الضخمة مثل قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية، وهو ما أرسل إشارات إيجابية للمجتمع الدولي عن
قدرتها على التطوير.
5. الدور الثقافي والإعلامي: بفضل قوتها الناعمة الممتدة عبر الإعلام والدراما والأزهر الشريف، تظل مصر أحد أكبر مصادر التأثير الثقافي والفكري في العالم العربي وأفريقيا.
مصر ودعم القضية الفلسطينية
من أبرز دوافع تعزيز مكانة مصر هو موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية. فهي لم تكتفِ بالتصريحات، بل اتخذت مواقف عملية، من أبرزها:
• فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية.
• رعاية اتفاقات وقف إطلاق النار في جولات التصعيد.
• رفض محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة والتأكيد على الحل العادل بإقامة الدولة الفلسطينية.
• قيادة حراك دبلوماسي دولي لفضح الانتهاكات الإسرائيلية وكسب الدعم الأممي لحقوق الفلسطينيين.
خلاصة
إن تقدم مصر في مؤشر أكثر الدول تأثيراً ليس مجرد رقم، بل انعكاس لدور إقليمي ودولي آخذ في التوسع. فمن خلال الجمع بين القوة الصلبة (العسكرية والاقتصادية) والقوة الناعمة (الثقافة والدبلوماسية)، أصبحت مصر قادرة على إعادة تثبيت مكانتها كدولة محورية، خصوصاً في القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. هذا الصعود يعكس إدراكاً دولياً متزايداً بأنّ مصر ليست فقط دولة كبيرة سكانياً وجغرافياً، بل أيضاً دولة تصنع التوازن في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.
المرجع





