محمد نبيل المصري
الصهيونية والإسلام السياسي: تقاطعات وتوظيف متبادل
عند النظر في طبيعة الصهيونية والإسلام السياسي، نجد أن كليهما ينطلق من قراءة دينية للتاريخ والنصوص، ويتعامل معها باعتبارها خارطة طريق سياسية. الصهيونية تنطلق من نصوص التوراة، معتبرة أن هناك وعدًا إلهيًا لبني إسرائيل بأرض تمتد من النيل إلى الفرات. في المقابل، يرفع الإسلام السياسي شعار استعادة الخلافة، ويطالب بعودة أراضٍ حكمها المسلمون يومًا، من الأندلس إلى آسيا الوسطى.

هذا التشابه يتجلى في عدة نقاط:
 • الرؤية الحرفية للنصوص: كلاهما يتعامل مع النصوص الدينية كوثائق ملكية أو واجبات سياسية.
 • المشروع العابر للحدود: الصهيونية تجمع يهود الشتات في إطار قومي – ديني، بينما الإسلام السياسي يوحد المسلمين في أمة واحدة عابرة للدول القومية.
 • توظيف الدين للشرعية: الصهيونية تُضفي شرعية على دولة قومية يهودية، والإسلام السياسي يمنح مشروعية لفكرة الخلافة.

لكن الفارق الأساسي أن الصهيونية مشروع محدد جغرافيًا وقوميًا، بينما الإسلام السياسي أممي واسع يذيب الهويات الوطنية.

التوظيف الصهيوني للإسلام السياسي
رغم العداء المعلن، إلا أن العلاقة بين الصهيونية والإسلام السياسي معقدة؛ ففي محطات عديدة جرى توظيف الإسلام السياسي لخدمة أهداف إسرائيل بطريقة غير مباشرة. ذلك لأن ضرب الاستقرار الوطني والقومي العربي يخدم في النهاية المشروع الصهيوني.

الحالة السورية مثال بارز:
عقب اندلاع الأزمة السورية، ظهرت جماعات مسلحة ذات خلفية إسلامية سياسية متطرفة. هذه الجماعات رفعت شعارات دينية، لكنها في الواقع لعبت دورًا مباشرًا في تفكيك الدولة السورية وإضعاف جيشها. فبينما كان الجيش السوري يُعتبر واحدًا من أكبر الجيوش العربية وأشدها عداءً لإسرائيل، جاء الصراع الداخلي وتنامي نفوذ هذه التنظيمات ليؤدي إلى إنهاكه واستنزافه.

النتيجة أن إسرائيل وجدت في المشهد السوري فرصة استراتيجية:
 • تحييد الجيش السوري الذي كان يشكل تهديدًا حقيقيًا.
 • التدخل عسكريًا في الجولان وأطراف سوريا دون مواجهة مباشرة مع جيش قوي.
 • استغلال حالة الفوضى لتوسيع هامش المناورة الإقليمية.

هنا يظهر بوضوح كيف أن الإسلام السياسي المسلح، رغم عدائه المعلن لإسرائيل، أسهم عمليًا في خدمة أهدافها عبر إضعاف الخصوم وتفكيك البنية الوطنية في المنطقة.

الخلاصة
الصهيونية والإسلام السياسي يشتركان في نزعة دينية – سياسية ترى الماضي حقًا يجب استعادته. لكن الأهم هو أن التلاقي غير المباشر بينهما أحيانًا يؤدي إلى نتائج تصب في صالح المشروع الصهيوني. فكلما جرى تفتيت الدول الوطنية العربية وإضعاف جيوشها عبر حركات الإسلام السياسي، كلما زادت قدرة إسرائيل على تثبيت وجودها وتوسيع نفوذها.

من هنا يمكن القول إن الصهيونية لم تكن مجرد خصم خارجي، بل عرفت كيف تستفيد من التيارات الإسلاموية كأداة تفكيك داخلي، مثلما حدث في سوريا، حيث تحول شعار “الخلافة” إلى سلاح استراتيجي منح إسرائيل أكبر مكسب إقليمي منذ عقود.