د. منى نوال حلمى
بين كل فترة وأخرى، أقرأ مقالات تؤكد أن «مستقبل مصر فى السياحة». أنا بشكل عام، لست ضد الاهتمام بالسياحة.
تمتلك مصر، النسبة الأكبر من آثار العالم، ولديها أنواع متنوعة من السياحة، ليس فقط الأثرية.
وبنهاية ٢٠٢٥، يقدر العائد من السياحة، بـ ١٨ مليار دولار.
لكننى أرى أن تقدم الدول والحضارات، ونهضة الشعوب قديماً وحديثاً، تعتمد أساساً على «بناء الإنسان» من الداخل.
هذا البناء الداخلى يصنعه البشر الأحياء، وأقصد به جودة التعليم وارتقاء الثقافة والفنون والآداب، والعلاج الصحى الكريم، والسكن الملائم، وفرص العمل المتوافقة مع التعليم والكفاءات الشخصية.
حتى الدول التى تهتم بزيادة عائداتها من السياحة، تفعل ذلك، حتى تنفق المزيد على الترقى فى متطلبات الحياة اليومية، وتفاصيلها ومرافقها.
الإنتاج السياحى شىء جامد ساكن موروث، من الأقدمين المبدعين. لكن، ماذا عن إنتاجنا الحى المتحرك، نصنعه نحن البشر الأحياء؟.
إن «المصرى القديم»، بكل عظمته، وإنجازاته، وتفرده، وريادته، لا يستطيع أن يحل محل «المصرى اليوم».
إذا كان بناء الأهرامات، عجيبة من عجائب الدنيا، ولغزاً لم يُفسر حتى الآن، تركه لنا «المصرى القديم»، فإن «المصرى اليوم»، هو «العجيبة، التى تتحدانا، فى كل عصر وزمان، بينما تحاصرنا عوامل التعرية، وظروف مناخية غير قابلة للتنبؤ.
كان «المصرى القديم»، ضرورة لوضع حجر الأساس، وعلى «المصرى اليوم»، أن يكمل المسار. كتب «المصرى القديم»، على الجدران، وأوراق البردى، أول أبجديات الكتابة والموسيقى والغناء. منْ غير «المصرى اليوم»، يجدد الدم فى العروق، والقصائد، والعزف على «الهارب»؟.
المتأمل أحوالنا، يتأكد أن بعض مؤسسات الدولة، لا تأخذ قضية «بناء الإنسان»، كقضية محورية. والأمثلة كثيرة، الفشل فى تجديد الخطاب الدينى، الفشل فى إلغاء الطلاق الشفوى، إلغاء التشريعات الذكورية، تنقية التعليم والإعلام، من المنصات العنصرية، الدينية.
إن افتتاح المتحف المصرى الكبير، مؤخراً، إنجاز مصرى، شعرنا معه بالفخر، الذى نستحقه كـ «أحفاد» لا ينسون الجدات، والأجداد.
هناك «متحف مصري»، يتم افتتاحه يومياً، مع إشراقة الشمس. لن تُغلق أبوابه إلا إذا اختفت مصر، من على الخريطة.
لقد أدى «المصرى القديم» رسالته، هى كالإصبع الذى يشير إلى «القمر»، ولكنها ليست القمر. «المصرى اليوم» هو «القمر». آثار «المصرى القديم»، صدى الصوت، وليست الصوت نفسه..
إننى كمصرية، أعرف جيداً قدر، وقيمة الحضارة المصرية القديمة. وأزهو بأن مصر، هى البلد الوحيد الذى يتم دراسة تاريخ حضارته، تحت اسم «مصريات».
إن حضارة «الحجر»، هى نتاج عمل وتفكير وتخيل، من «البشر».
كما ننشغل، بحماية، أنف أبو الهول، لابد من حماية الإنسان المصرى، من مذلة الفقر والمرض، والجهل. هل من العدل، إنفاق مبالغ طائلة على انتشال قطعة أثرية مغمورة، ولا ننفق شيئاً لتمكين المواهب الجديدة؟. هل من المنطق أن ننفق على «ترميم»، الآثار، ولا ننفق على «ترميم» البيوت، التى تتصدع وتقع على سكانها الآمنين؟؟.
عفواً أيتها التماثيل والمومياوات، والتوابيت، والمعابد، والأهرامات، والمحنطات، نحن نعترف بأهميتك، وجمالك، لكن مستقبل مصر، يحتاج إلى تنمية اقتصادية، وإلى نهضة ثقافية وبيئية وأخلاقية وفنية، وإلى تحرير النساء من المعتقلات الذكورية.
عقل المصرى اليوم.. وجدان المصرى اليوم.. إرادة المصرى اليوم.. فن المصرى اليوم.. إبداع المصرى اليوم.. عدالة المصرى اليوم.. حرية المصرى اليوم.. مواطنة المصرى اليوم.
هذا هو مستقبل الوطن.. هو الطريق الأصعب بكل تأكيد. لكن مصر قادرة على أن تفاجئنا بما لا نتوقعه... تمطر فى عز الصيف... تتكلم حينما تختفى الكلمات.. وعند صمت الكون، تبدأ فى الغناء.
ختامه شعر
أحافظ على صحة جلدى وبشرتى
أنتظم فى المساج بزيت القرنفل
أستحم بزيت اللافندر وماء الورد
أتزين بأجمل أشعار كتبها «نزار»
أملأ البيت بالورود الصفراء
ألبس الفستان الأسود الجديد
أفرش الملاءات والمفارش الحمراء
أتجمل بحكمة «الإنسان الأعلى»
أموت اشتياقاً إلى «العود الأبدى»
أدون فى دفترى إلهامات القصائد
أطفئ صخب الأضواء
أشعل شغف الشموع
موسيقى أغنيات أحبها
تتناثر فى الأجواء
أجلس منتظرة
ولا أدرى ماذا أنتظر؟
منْ أنتظر؟
لست على موعد مع أحد
لا أدرى كيف ولماذا
رغم شعورى بنبض الحياة
أحس أننى أحتضر.
نقلا عن المصرى اليوم





