مارجريت عازر
تعد ظاهرة التحرش بالأطفال واحدة من أخطر الجرائم التى تهدد أمن المجتمع واستقراره نظرًا لما تتركه من أثر نفسى وسلوكى يمتد مع الطفل لسنوات طويلة، وقد يصل به أحيانًا إلى الإعاقة الاجتماعية أو العنف أو الانغلاق على الذات. ورغم أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعى جعل هذه الجرائم أكثر ظهورًا فى السنوات الأخيرة، فإن الحقيقة الثابتة تاريخيًا هى أن التحرش بالأطفال ليس ظاهرة جديدة بل هو سلوك قديم عرفته المجتمعات عبر العصور، لكنه كان يرتكب فى الخفاء ويغلفه الصمت والخوف والوصمة الاجتماعيةن، مما كان يعوق وصول الضحايا إلى العدالة أو حتى الاعتراف بوجود المشكلة.
ومع تطور الوعى المجتمعى وتغير وسائل الإعلام بدأت هذه الحوادث تطفو على السطح بشكل أكبر، وساعدت منصات التواصل على كشف العديد من الجرائم التى كان يمكن أن تبقى مجهولة. هذا الانكشاف لا يعنى بالضرورة أن الظاهرة تفاقمت، بل قد يكون دليلا على أن المجتمع أصبح أكثر جرأة فى الحديث عنها وأكثر استعدادًا لمناصرة الأطفال وضمان حقوقهم.
وتعود جذور الظاهرة إلى عدة أسباب، منها غياب الرقابة الأسرية وضعف الوعى بحقوق الطفل وانتشار بعض السلوكيات المنحرفة لدى فئة من المرضى نفسيًا أو اجتماعيًا، إضافة إلى تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية التى قد تدفع البعض إلى الاستغلال أو الابتزاز، كما يلعب غياب القوانين الرادعة أو ضعف تطبيقها فى بعض المجتمعات دورًا كبيرًا فى استمرار الجريمة، حيث يشعر الجانى بأن فرص إفلاته من العقاب لاتزال قائمة.
وللقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها بشكل جذرى فإن المواجهة يجب أن تكون شاملة ومتعددة الجوانب. فالجانب القانونى يجب أن يكون حازمًا وواضحًا يتضمن تشديد العقوبات على كل من يثبت تورطه فى أى شكل من أشكال التحرش بالأطفال سواء كان فعلاً مباشرًا أو محاولة أو تحريضًا. كما ينبغى أن تتضمن القوانين آليات حماية للضحايا وتسهيل الإبلاغ دون خوف من الوصمة أو الانتقام.
أما الجانب الأسرى فهو الركيزة الأولى للوقاية. فالتربية القائمة على الحوار والوعى والثقة تخلق طفلا قادرًا على التعبير عن نفسه ورفض أى محاولة للاعتداء عليه. ويجب على الأسرة أن تعلم الطفل حدود جسده وكيفية التمييز بين اللمسات المقبولة وغير المقبوله وأن أى محاولة أو كلمة تزعجه يجب أن تبلغ فورًا للوالدين.
كما تلعب المؤسسات التعليمية دورا أساسيًا فى خلق بيئة آمنة للأطفال عبر تدريب المعلمين على اكتشاف العلامات النفسية والسلوكية التى قد تدل على تعرض الطفل لتحرش وتطبيق أنظمة رقابة صارمة داخل المدارس ووسائل النقل التابعة لها.
وإلى جانب ذلك فإن الإعلام والمنصات الرقمية يقع على عاتقها دور كبير فى نشر الوعى المجتمعى عبر حملات تثقيفية تعرف الأهالى والأطفال بكيفية الحماية وتكسر حاجز الصمت الذى طالما كان السبب الأكبر فى انتشار هذه الجرائم.
فى النهاية يبقى التحرش بالأطفال جريمة أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون قانونية، ومواجهتها ليست مسؤولية جهة بعينها بل واجب مجتمع كامل. فكل طفل آمن هو نواة لمواطن سوى وبناء مجتمع يحترم طفولته هو الطريق الحقيقى نحو مستقبل أقوى وأكثر إنسانية.
نقلا عن المصرى اليوم





