أحمد الخميسي 
في الحلقة الأخيرة من برنامجها " حديث القاهرة" قالت هند الضاوي إن هناك خطة أمريكية لتدريب مئة ألف انجيلي( أي مسيحي ) حول العالم لتحسين صورة إسرائيل، وأضافت أن هناك خطة : " لإنشاء مركز فكر إنجيلي لدعم إسرائيل".
 
وقد أثار حديثها غضب الكثيرين من أخوتنا المسيحيين.
 
 
ويطرح هذا الاستياء المشروع للنقاش موضوعين، الأول مهني يتصل بعلاقة الاعلام بما يبثه، والثاني وطني يتعلق بضرورة التعامل الحريص مع الوحدة الوطنية التي تحمي الوجود المصري.
 
 
مهنيا ليست وسائل الاعلام ببغاء تردد كل ما يرد إليها كما هو، وواجبها تفنيد الأخبار المشبوهة أو التي قد تضر بأمن المجتمع.
 
وعندما تنقل هند الضاوي مثل ذلك الخبر فإن من واجبها أن تشير إلى التاريخ الوطني العظيم للمسيحيين المصريين، وأنهم لم يقبلوا يوما أن يكونوا أداة بيد القوى الخارجية، لكنها لم تفعل، واكتفت بنقل الخبر من دون تفسير مما يوهم بأن تعاون المسيحيين في مصر وغيرها من الدول العربية أمر ممكن في إطار خطط  ترامب.
 
 
من الناحية المهنية لا يجوز التعامل مع الأخبار المشبوهة من دون وقفة وتفسير، ومن الناحية الوطنية لا يجوز التعامل بتلك الخفة مع مسيحيي مصر سواء أكانوا من الانجيليين أو الأقباط.
 
وربما تجدر هنا الاشارة إلى أن مصر مرت بمجاعات زمن المماليك، وحروب، لم تنل منها قط ، لكن الخطر قد يكون من تفتيت الوحدة الوطنية، تاج مصر، ومجدها التاريخي. وإذا كان حديث المذيعة قد ألقى بالشبهات فإن المطران عطا الله حنا يبدد ذلك بالتصريح بأن المسيحيين يرفضون فكرة ما يسمى المسيحية الصهيونية قائلا: " ليس لهذا المسمى وجود في قاموسنا الكنسي".
 
 
ولا بأس هنا من التذكير بمواقف المسيحيين الوطنية حتى في قضية فلسطين، والتذكير بدماء شهدائهم، البطل ميخائيل ملطي غبريال الذي استشهد في فلسطين في 28 ديسمبر 1948، والبطل ناثان رومان مسعود عسكري سلاح الاشارة الذي استشهد في فلسطين 17 أكتوبر 1948، وغيرهما كثيرون.
 
 
وفي العدوان  الثلاثي روت دماء الأقباط تراب بورسعيد، وعقب نكسة يونيو شارك الأقباط في المجموعة 39 لصد العدوان بقيادة الشهيد إبراهيم الرفاعي، وخلال حرب الاستنزاف لمعت الأسماء الغالية ، كما لمعت في حرب أكتوبر 1973، وكان اللواء باقي زكي يوسف من اخترع فكرة الضغط بالمياه لهدم خط  بارليف، وارتقى شهداؤهم البطل فؤاد عزيز غالي، وشفيق مترى سيدراك، وصبحي ميخائيل، ودوى صوت البابا شنودة : " مصر وطن يعيش فينا" ، كما دوى من قبله بزمن صوت مكرم عبيد يجلجل : " نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا " ليكرس الوحدة الوطنية منذ عشرينيات القرن الماضي ورافقه سيد درويش يغني "  اللي الأوطان بتجمعهم عمر الأديان ما تفرقهم".
 
 
ولم تتجلى الوحدة الوطنية في معارك التحرير فحسب، بل في الثقافة التي جمعت لويس عوض ومحمد مندور، سلامة موسى وطه حسين، يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، إنه تاريخ لا يمكن المساس به، وعلينا إذا تعاملنا معه أن نتعامل بحرص شديد، ففي ذلك التاريخ روح مصر ويومها وكل آمالها.