كريم كمال
في الآونة الأخيرة، تصاعد الجدل في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول ما يُسمى بـ"المسيحية الصهيونية" وذلك على خلفية تصريحات الإعلامي باسم يوسف والمذيعة هند الضاوي، والتي أثارت استياءً واسعًا بين المسيحيين المصريين لما حملته من تعميمات مغلوطة وإسقاطات غير دقيقة على واقع لا يمتّ للحقيقة بصلة.
أولًا: لا وجود لعقيدة تُدعى "المسيحية الصهيونية" في أي من الطوائف المسيحية.
من الناحية اللاهوتية، لا تعترف أي من الطوائف المسيحية الكبرى سواء الأرثوذكسية أو الكاثوليكية أو الإنجيلية بما يُسمى بـ"المسيحية الصهيونية" كجزء من عقيدتها أو تعاليمها فالمسيحية، في جوهرها، تقوم على مبادئ المحبة والسلام والتسامح، وترفض العنف والتمييز والاحتلال. أما "الصهيونية" فهي حركة سياسية علمانية نشأت في أوروبا في القرن التاسع عشر، ولا علاقة لها بالمسيحية.
صحيح أن هناك بعض الجماعات الإنجيلية في الولايات المتحدة التي تتبنى تفسيرات دينية خاطئة تدعم الكيان الصهيوني لكنها لا تمثل الكنيسة الإنجيلية ككل ولا تحظى باعتراف رسمي من الهيئات الكنسية الكبري بل إن الفاتيكان، على سبيل المثال، لطالما أكد دعمه للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفضه للاحتلال، ودعوته لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
ثانيًا: تصريحات باسم يوسف وهند الضاوي تعميمات غير دقيقة.
في إحدى حلقات برنامجه، أشار الإعلامي باسم يوسف إلى وجود ما أسماه بـ"المسيحية الصهيونية"،مستشهدًا ببعض المواقف الغربية، دون أن يوضح أن هذه الظاهرة محصورة في جماعات أمريكية متطرفة، ولا تمتّ بصلة إلى المسيحيين في الشرق الأوسط، وبالأخص في مصر. أما المذيعة هند الضاوي، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، حينما ألمحت إلى وجود تعاطف من بعض المسيحيين مع الصهيونية وهو ادعاء باطل لا يستند إلى أي دليل واقعي أو تاريخي.
مثل هذه التصريحات وإن بدت في ظاهرها تحليلًا سياسيًا إلا أنها تنطوي على مخاطر كبيرة، إذ تفتح الباب أمام تأويلات مغرضة وتُسهم في تشويه صورة المسيحيين المصريين وتغذي خطاب الكراهية والانقسام.
ثالثًا: المسيحيون المصريون براء من هذا المصطلح:
من واقع التاريخ والممارسة، لم يُعرف عن أي طائفة مسيحية في مصر سواء الأرثوذكسية، الكاثوليكية، أو الإنجيلية تبنيها لمفهوم "المسيحية الصهيونية" بل على العكس كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على سبيل المثال من أوائل الداعمين للقضية الفلسطينية، وقد رفض العظيم في البطاركة قداسة البابا شنودة الثالث زيارة القدس تحت الاحتلال وهو موقف وطني ثابت منذ عقود.
كما أن المسيحيين المصريين بمختلف طوائفهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني ويتشاركون مع إخوانهم المسلمين في الدفاع عن قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية ولم يُسجل تاريخيًا أي موقف رسمي أو شعبي من أي مسيحي مصري يدعم الصهيونية أو يروّج لها.
رابعًا: التحذير من استغلال الإعلام للتحريض الطائفي.
إن إثارة مثل هذه القضايا في الإعلام، دون تدقيق أو مسؤولية يُعدّ محاولة مكشوفة للتحريض على المسيحيين وتشويه صورتهم وزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وهي محاولات تصبّ في مصلحة أعداء الداخل والخارج، الذين يسعون إلى تفكيك المجتمعات من الداخل عبر اللعب على الأوتار الطائفية والدينية.
إن استخدام مصطلحات مثل "المسيحية الصهيونية" دون توضيح سياقها الغربي ودون التأكيد على أنها لا تمتّ بصلة إلى المسيحيين في مصر، يُعدّ تضليلًا للرأي العام ويُسهم في نشر خطاب الكراهية، ويُهدد السلم المجتمعي.
إن "المسيحية الصهيونية" ليست عقيدة دينية بل مصطلح سياسي دخيل استُخدم لأغراض أيديولوجية في سياقات غربية لا تمتّ إلى واقعنا العربي والمصري بصلة والمسيحيون المصريون، بكل طوائفهم، براء من هذا المصطلح، ومن أي دعم للاحتلال أو الصهيونية. فليكن الإعلام منبرًا للتنوير لا للتحريض ولتكن وحدتنا الوطنية خطًا أحمر لا يُسمح بتجاوزه.





