اسماء عصمت - صحفية مصرية

 التزامن مع الاحتفال باليوم العالمى للمراة طفت على سطح الأحداث  الساخنة التى تشهدها مصر مؤخراً ..  ظاهرة  التحرش الجماعي بالنساء المصريات المشاركات في التجمعات والتظاهرات السلمية ,المواكبة للذكرى الثانية لثورة 25 يناير ..
وكـأن الحكومة المصرية بقيادة الاغلبية الاخوانية رأت أن افضل هديه تقدمها للمراة المصرية فى هذا اليوم العالمى هو "التحرش "حتى تعود المراة المصرية من حيث أتت وتعود للخلف عشرات السنين !!
 حالات التحرش المتعددة التى تعرضت لها المراة المصرية فى الشهور القليلة الماضية دفعت الأمم المتحدة إلى التعبير عن القلق بشأن هذه الظاهرة ودعوة الحكومة المصرية إلى وقفة حاسمة أمام كل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة .. وقد رصد تقرير  حقوقى  لمجموعة متخصصة , تلقى المجموعة ل 29 بلاغاً بخصوص إعتداءات جنسية جماعية بمحيط ميدان التحرير الرمز للثورة ,وشملت البلاغات وقائع وصل بعضها إلى محاولات قتل أو تسبب فى عاهة مستديمة , وتمكنت المجموعة الحقوقية بالتدخل فى 15 حالة منهم ,و تحرير النساء و إجلاءهم من دوائر الإعتداءات إلى أماكن آمنة أو مستشفيات لتلقى الخدمة الطبية اللازمة , وهذه الوقائع أل29 بخلاف حالات أخرى لم يتم توثيقها , هى منذ إحياء الذكرى  الثانية لثورة 25 يناير, كما أن هذه الإعتداءات جميعا تمت على نساء متظاهرات .. كما تلقت هذه المجموعة الحقوقية  19 بلاغاً آخرين فى نفس الفترة , بشأن تعرض نساء أخريات  لوقائع تحرش واعتداءات جنسية خفيفة  في التظاهرات.

  يعنى ايه تحرش ؟
التحرش الجنسي فى الحالات  العادية والفردية  هو مُضايقة , أو فعل غير مرحب به من النوع الجنسي. يتضمن مجموعة  من الانتهاكات البسيطة  تتدرج  صعوداً إلى المضايقات التي تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، وصولا إلى النشاطات الجنسية .. والتحرش الجنسي هو فعل منبوذ و مشين إجتماعياً ..وهو يتخذ أشكالاً متدرجة فى العنف والإيذاء الجسدى
( الجنسى والنفسى)
 أما التحرش والعدوان الجماعى على نساء الثورة فى  الذكرى الثانية ,فهو  جريمة أخلاقية وجنائية , إذ أن التحرش حتى بأشكاله البسيطة مُجرَّم قانونا تحت مسمى (هتك العرض) , والجريمة لابد لها من  مدبر يبغى من ورائها مصلحة.. وإذا كان "يسقط يسقط حكم المرشد" هو الشعارالرئيس فى  مظاهرات الأشهر الأخيرة ومنها تظاهرات الفترة منذ ذكرى إنطلاق الثورة وحتى 11 فبراير "ذكرى سقوط نظام مبارك" , تعبيراً عن الرفض  الشعبى لإستمرار الحكم  الإخوانى ..
 فإن هذا يعنى  أن جماعة الإخوان المسلمين هى المتضررة  من التظاهرات عموما , ويكون الإخوان هم أصحاب المصلحة فى قمع النساء لمنعهم المشاركة فى هذه تظاهرات..خاصة وأن  تقارير صحفية تشير بأصابع الإتهام  إلى أن الجماعة تستأجر بلطجية وعاطلين ,للقيام بمهمة الإعتداءات الجنسية والتحرشات على المتظاهرات .

احدث الوسائل اللاخلاقية لكبت حرية المراة والرجل فى مصر.
  المعروف علمياً أن  المتحرش يقوم بفعل التحرش لإشباع رغبة جنسية مكبوته ,بهدف الاستمتاع ..أما فى حالات التحرش الجماعى بالشوارع والميادين العامة فى مصر- هذه الظاهرة الجديدة- فلا تنطوى  على إشباع للرغبات المكبوتة , ولا يتوفر لها عنصر الإستمتاع , لأن هذا لايمكن أن يتحقق على الملأ وفى قلب الميادين وبالشكل الذى حدثت به الإعتداءات البشعة على نساء الثورة.. لذا يبدو الهدف من هذه التحرشات بنساء خرجن يطالبن بإستعادة الثورة التى  تمت سرقتها, ليس مجرد  عنف موجه  ضد المرأة فقط ..بل هو  عنف مزدوج يقصد به انتهاك جسد المراة وكسر شوكتها وإرادتها حتى لا تتجرا على النزول مرة إخرى للشارع لمقاومة الحاكم , ومن ناحية أخرى كسر إرادة الشاب والرجل الذى ينزل معها الميادين , وإشعاره بالخزى والعار لعدم قدرتة على حمايتها , وبالتالى  ينهزم ويتراجع عن التظاهر مرة أخرى ,و يحدث نفسه:"لم أستطع الحفاظ  على المراة التى تقف بجوارى ..فكيف أدافع عن حق بلدى فى الحرية؟؟"

  سلاح  للقمع
  الواضح أن أهل الحكم فى مصر يستخدمون هذا السلاح اللأخلاقى , "التحرش", كأداة أو سلاح للقمع إلى جانب قنابل الغاز المسيلة للدموع  التى تستخدمها الشرطة المصرية على نطاق واسع وبغزارة إلى جانب الرصاص أو الخرطوش أحيانا .. والحق أن جماعة الإخوان الحاكمة ليست هى صاحبة الفضل فى إختراع التحرش الجنسى ,كوسيلة  أو سلاح قمعى لإرهاب النساء وإقصائهن عن المشهد السياسى ..  لكن  الفضل يرجع إلى وزارة الداخلية المصرية  فى مايو 2005 عندما دفعت ببلطجية لممارسة  العنف الجنسى "التحرش وهتك العرض" ضد الصحفيات والمشاركات فى وقفة إحتجاجية ,  طلباً لتغيير بعض مواد دستور 71 التى كانت تفتح المجال لتوريث  الحكم إلى جمال مبارك ..وقتها تم حفظ  القضية ,وقيدها  ضد مجهول , ثم تم تصعيدها للمحكمة الافريقية من خلال المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وكانت هذه هى البداية لتخطو بعدها الظاهرة خطوات واسعة فى شوارع مصر خاصة فى المناسبات العامة فى الاعياد والمواسم ولكن سادت حالة من المقاومة الجمعية ,تدين هذه الظواهر. 
إن من يدبرون تلك الجرائم لهم أهدافهم الواضحة التى بيناها , لكنهم لم يحسبون  رد الفعل جيداً ,فهم  لا يدركون -وإن كانت الثورة لم تكتمل - أنه مع ميلاد ثورة 25يناير  , تلاشت مفردات عديدة من قاموس المصريين بشكل خاص ودول الرب...ومن الضرورى لجماعة الإخوان المسلمين أن تحاول تلاشت مفردات عديدة من قاموس المصريين بشكل خاص ودول الربيع العربى بشكل عام ومن هذه المفردات  الخوف ..القهر..الظلم والصمت , وأصبح  صوت المواطن المصرى أيا كانت طائفته الاجتماعية , عالياً مدافعاً عن نفسه وعن حقوقه بكل شراسة , وأهم هذه  الحقوق الحق فى الحياة وسط مجتمع آمن.

إستيعاب دروس  25 يناير ,وتعلم بأن  ردود الافعال تغيرت وتبدلت ولم تعد سلبية  كما فى الماضى ..
فرغم  أن  أصوات مجموعة كبيرة من  أدعياء العلم بالدين , تعالت بأن صوت المرأة عورة , مع محاولات دؤوبة لتشوية صورة المراة "صانعة الثورة المصرية "بالقول أن من يذهبن إلى ميادين الثورة "ميدان التحرير ",و"ميدان الاتحادية "هن نساء صليبيات  أو من المطلقات أو الارامل ..هنا ظهر الزوج والاب والشقيق الذى يصطحب زوجته وشقيقته الى الميادين للمشاركة فى فاعليات استرداد الثورة المصرية ..ليس هذا فقط بل أن النساء خرجن فى مشاهد رائعة يحملن فى أيديهن سكاكين معلنين بذلك أنهن سيقاومن التحرش بالدفاع عن النفس الذى قد يصل إلى حد القتل , كتعبير رمزى عن القوة والصمود اللذين تتميز بهما المرأة المصرية عبر العصور والأجيال..
ولابد الاشارة إلى أننا ندين أى أعمال عنف موجهه ضد أى انسان ولكن خروج نساء مصر بهذا الشكل ماهو إلا تعبير رمزى على أن العنف يولد عنفا .
ورغم أن النظام الإخوانى الحاكم فى مصر بذل جهوداً كثيرة لإقصاء المرأة المصرية وتهميشها , منها  ربط مساواتها بالرجل دستورياً , بما لايتعارض مع الشريعة الإسلامية ,حسب فهمهم القاصر لها ..ثم  "التحرش الجماعى"  , هذا السلاح اللاأخلاقى واللاقانونى لمنع المرأة من إستراد الثورة مع الرجل , إلا أن المراة المصرية عصية على التهميش , وهذا ما لا يفهمه الإخوان.
ونهاية نرفض هدية الحكومة لنساء مصر  ونرفض معها التهديد والقمع والتحرش