بقلم: عماد توماس
حظت مصر بنخبة من المثقفين الحقيقيين في فترة من أفضل فتراتها الثقافية في أواخر القرن الـ 19 وبدايات القرن الـ20، وفي وسط هذا الجو المستنير ظهر الكاتب والمؤرخ المفكر أحمد أمين بكتاباته التاريخية المبدعة حول الحياة العقلية في الإسلام موضحا الحالة الدينية والاجتماعية والسياسية للعرب وبدايات ظهور الإسلام وانتشاره، فكتب "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظُهر الإسلام".
ومن النادر أن يدوّن أحد سيرته الشخصية وهو مازال على قيد الحياة، البعض يراها نوعًا من الاستعلاء وآخرون يرون أنه من الأفضل أن يدون الشخص قصة حياته بنفسه أفضل من أن يدوّنها غيره!!
إلا أن شخصيتنا هذا الأسبوع التي نقوم بعرضها كتب قصة حياته في كتاب سماه "حياتي" ونشره قبل وفاته بأربع سنوات وصدر مؤخرًا في طبعة جديدة عن دار الشروق.
أحمد أمين الذي تردد من نشر هذا الكتاب وإخراجه للنور فكتب في مقدمة الطبعة الأولى (فإن كل ما أخرجته كان غيري المعروض وأنا العارض أو غيري الموصوف وأنا الواصف، وأما هذا الكتاب فأنا العارض والمعروض والواصف والموصوف، والعين لا ترى نفسها إلا بمرآة، والشيء إذا زاد قربه صعبت رؤيته، والنفس لا ترى شخصها إلا من قول عدو أو صديق، أو بمحاولة للتجرد تم توزيعها على شخصيتين:ناظرة ومنظورة، وحاكمة ومحكومة، وما أشق ذلك وأضناه).
* النشأة والتكوين:
في هذا الشهر تمر الذكرى الـ 123 على ميلاد المفكر أحمد أمين، فهو من مواليد 11 أكتوبر 1886 "برج العظماء" هكذا يطلقون عليه.
بدأ أحمد أمين حياته أزهريًا، ثم عمل مدرسًا بمدرسة القضاء الشرعي سنوات طويلة، وسرعان ما خلع الزى الأزهري، وجلس على كرسي القضاء ثم أصبح أستاذًا بالجامعة، فعميدًا، ثم تركها ليساهم في إنشاء أكبر مجلتين في تاريخ الثقافة العربية هما: "الرسالة" و"الثقافة"، ثم بدأ رحلة من البحث والتنقيب في الحياة العقلية للعرب.
دخل أحمد أمين الكُتَّاب وتنقل في أربعة كتاتيب، ودخل المدرسة الابتدائية، إلا أن أباه رأىَ أن يلحقه بالأزهر، فدرس الفقه الحنفي لأنه الفقه الذي يعد للقضاء الشرعي. وفي تلك الفترة نشأت مدرسة القضاء الشرعي التي اختير طلابها من نابغي أبناء الأزهر، فتمكن من الالتحاق بها بعد أن اجتاز اختباراتها في عام 1907، وكانت المدرسة ذات ثقافة متعددة دينية ولغوية وقانونية عصرية وأدبية.
* إصرار وتحدي:
ابتدأ أحمد أمين تعلم الإنجليزية وهو شاب في السابعة والعشرين بعد أن جرب حظه في تعلم الفرنسية فأخفق، وابتدأ بالكتب الدراسية في مدرسة أجنبية ثم انتهى به المطاف إلى سيدة إنجليزية في الخامسة والخمسين من عمرها تدعىَ "مس بور" قضى معها بضع سنوات في تعلم اللغة ووجهت إليه كامل عنايتها من الناحية التعليمية ومن الناحية التربوية حيث عنيت بتدريب ذوقه وإحساسه بالجمال والطبيعة من حوله واجتاز هذه المرحلة فصار وكما قال بعد أن كان ينظر بعين صار ينظر بعينين.
* القاضي العادل:
شغل أحمد أمين وظيفة القاضي مرتين.. الأولى سنة 1913 في "الواحات الخارجة" لمدة ثلاثة شهور، أما المرة الثانية حين تم إقصاؤه من مدرسة "القضاء الشرعي" لعدم اتفاقه مع إدارتها، حيث أمضى في القضاء في تلك الفترة أربع سنوات، عُرف عنه فيها التزامه بالعدل وحبه له حتى صار يُلقب بـ "العدل".
بدأ اتصال أحمد أمين بالجامعة سنة 1926 عندما رشحه د. طه حسين للتدريس بها في كلية الآداب، ويمكن القول بأن حياته العلمية بالمعنى الصحيح أتت ثمارها وهو في الجامعة، فكانت خطواته الأولى في البحث على المنهج الحديث في موضوع المعاجم اللغوية، وكانت تمهيدًا لمشروعه البحثي عن الحياة العقلية في الإسلام.
تولىَ في الجامعة تدريس مادة "النقد الأدبي"، فكانت محاضراته أولى دروس باللغة العربية لهذه المادة بكلية "الآداب"، ورُقِّي إلى درجة أستاذ مساعد من غير الحصول على الدكتوراه ثم إلى أستاذ فعميد لكلية الآداب سنة 1939، واستمر في العمادة سنتين استقال بعدهما لقيام وزير المعارف بنقل عدد من مدرسي كلية الآداب إلى الإسكندرية من غير أن يكون لأحمد أمين علم بشيء من ذلك، فقدم استقالته وعاد إلى عمله كأستاذ.
أصبح عضوًا بجمع اللغة العربية سنة 1940، وفي سنة 1945 انتُدب للعمل مديرًا للإدارة الثقافية بوزارة المعارف، وفي توليه لها جاءت فكرة "الجامعة الشعبية" حيث رأى أن للشعب حقًا في التعلم والارتواء العلمي، وكان يعتز بهذه الجامعة اعتزازًا كبيرًا، وهي التي تطورت فيما بعد إلى ما سُميَّ بقصور الثقافة.
* لجنة التأليف والترجمة والنشر:
تولىَ أحمد أمين الأشراف على لجنة التأليف والترجمة والنشر مدة أربعين سنة منذ إنشائها حتى وفاته، وكان لهذه اللجنة أثر بالغ في الثقافة العربية؛ إذ قدمت للقارئ العربي ذخائر الفكر الأوروبي في كل فرع من فروع المعرفة تقديمًا أمينًا يبتعد عن الاتجار، كما قدمت ذخائر التراث العربي مشروحة مضبوطة.
كما أنشأت هذه اللجنة مجلة "الثقافة" في يناير 1939 ورأس تحريرها، واستمرت في الصدور أربعة عشر عاماً متوالية، وكان يكتب فيها مقالاً أسبوعيًا في مختلف مناحي الحياة الأدبية والاجتماعية، وكانت ثمرة هذه الكتابات كتابه الرائع "فيض الخاطر" بأجزائه العشرة. كما كان يكتب في مجلة "الرسالة" الشهيرة وأثرى صفحاتها بمقالاته وكتاباته، وخاض بعض المحاورات مع كبار كتاب ومفكري عصره على صفحات الثقافة.
* أهم مؤلفاته:
يعتبر كتاب "فجر الإسلام" علامة مميزة ومرجعًا أمينًا للدارسين والباحثين في تاريخ الحياة العقلية في الإسلام منذ ظهوره وحتى سقوط الخلافة العباسية، تعرّض فيه كاتبه لآلاف الآراء ومئات الشخصيات، وقد وجد أحمد أمين صعوبة كبيرة في تحليل الحياة العقلية العربية، ويقول في ذلك: "لعل أصعب ما يواجه الباحث في تاريخ أمته هو تاريخ عقلها في نشوئه وارتقائه، وتاريخ دينها وما دخله من آراء ومذاهب".
وفي كتابه "ضحى الإسلام" تحدث عن الحياة الاجتماعية والثقافية ونشأة العلوم وتطورها والفرق الدينية في العصر العباسي الأول، وأراد بهذه التسمية (ضحى الإسلام) الاعتبار الزمني لتدرج الفكر العلمي من عصر إلى عصر، واستطاع بأسلوب حر بليغ أن يمزج السياسة بالفكر عند الحديث عن الظواهر الجديدة في المجتمع الإسلامي.
أما كتابه "زعماء الإصلاح في العصر الحديث" فاشتهر اشتهارا ذائعا؛ لأنه قُرِّر على طلاب المدارس عدة سنوات، فكثرت طبعاته وتداولتها الأيدي على نطاق واسع. وطبع أخيرًا ضمن مكتبة "الأسرة".
وكتاب "فيض الخاطر" جمع فيه مقالاته المختلفة في "الرسالة" و"الثقافة"... وغيرهما، وبلغت حوالي 900 مقالة في عشرة أجزاء.
* الوفاة:
أصيب أحمد أمين قبل وفاته بمرض في عينه، ورغم ذلك لم ينقطع عن التأليف والبحث حتى توفيَّ في 30 من مايو 1954.
* هوامش:
•موقع: يا بيروت
•موقع: أعلام وشخصيات مصرية
•موقع محيط: