بقلم: أكرم هارون
ررررن..... ررررن: أنه جرس المنبه يدق عاليًا كي نقوم من سباتنا مبشرًا بصباح يوم جديد، هيا لأسرع للحمام للاستعداد وارتداء الملابس، فها موعد العمل يقترب.
سيارات من الخلف والجانبين ومفاجآت إشارات ورجال المرور:
اخرج مستقلاً سيارتي للذهاب للعمل ناهبا الطريق للوصول في الموعد المناسب، ولكن أنه فاصل جديد من إثارة الأعصاب... ها تلك السيارة الميكروباص تندفع للأمام ولا مانع من الانحراف عليك شمالاً أو يمينًا وقائدها لا يلوي علي شيء ولا يهمه اصطدامه بك فلن تأخذ معه لا حق ولا باطل.
وها تلك السيارة النقل تسير خلفك بسرعة مبالغة وتكاد السيارة تلتصق بسيارتك ونفيرها يزعق مطالبًا إياك بأن تسير أقصى سرعة ممكنة أو الانحراف بسيارتك في أي جهة حتى تفسح لسيادته الطريق مهما كانت النتائج فهو لا يهمه إلا نفسه، وأيضًا تلك السيارة الملاكي المندفعة بجنون من اليمين ثم إلى اليسار ثم إلى اليمين فهو في سباق للسيارات وليس في شارع عام.
الآن أنا أكاد اعبر إشارة المرور القادمة بسيارتي.... وفجأة ما هذا؟! يا للهول.. إن السيد الواعي عسكري المرور رفع يده فجأة لإيقافي وإيقاف جميع السيارات القادمة معي في ذات الاتجاه، وفي نفس الوقت تتدافع السيارات القاطعة للطريق أمامي..... يا رب استر........ الحمد لله إنني ضغطت على الفرامل وصوت العجلات يصيح من احتكاكها بأسفلت الشارع للوقوف السريع المفاجئ.... ربنا ستر أنه لم يحدث حادث.
ما هذا؟ إن السيد الواعي الرشيد عسكري المرور ينظر لنا شذرًا كأننا أغبياء أو مغفلين... لا يهم نظرته، فعلي أي حال نشكر الله الذي حمانا من ذكائه ووعيه الشديد الذي لا نستطيع مجاراته فيه.
* العبور الفذ للسير عكس الاتجاه مع تحيات رجال المرور:
لقد عبرت الإشارة وأكملت سيري في الطريق والآن سأعبر طريقًا حيويًا..... اووه إن الطريق مزدحم وملئ بالسيارات، غريبة هذا الطريق لا يحدث به هذا أبدًا، أين المشكلة؟ مازلت واقفًا وفجأة أجد أحد الأشاوس الأذكياء القائد لإحدى السيارات الميكروباص مندفعًا إلي الأمام وتخطاني... إنني مندهش كيف فعل ذلك وأنا في أقصى الشمال للطريق، آه ..آه أنه تخطي الطريق للاتجاه المعاكس وها كثير من قائدي السيارات الأبطال المغوارين يندفعون خلفه بالعشرات، يبدو أنهم يشعرون بأنهم في حرب ويريدون تقليد جنودنا العظام في حرب أكتوبر ليقوموا بعبور عظيم إلي الاتجاه المعاكس –مع الاعتذار الشديد لجيش مصر العظيم-. المهم إن الإبطال المزيفين العابرين من الاتجاه الصحيح للاتجاه المعاكس... من الواضح أنهم اعملوا عقلهم جيدًا واتفقوا علي ضرورة تخطي كل السيارات التي أمامهم بأي طريقة حتى ولو كان عن طريق السير عكس الاتجاه، فهذا هو الذكاء بعينه، أو أنهم وجدوا في قائد الميكروباص هذا قائدًا فذًا وبطلاً مغوارًا لم يجود الزمان بمثله وأنه اكتشف الحل الصحيح لتخطي كل هذا الازدحام –هذا الحل الذي غاب عن جميع الأغبياء الواقفين في الطريق الصحيح وأنا منهم-.
المهم لقد تعطلنا ما يقرب من نصف الساعة، أخيرًا تم فك الاشتباك الذي تبين بعد ذلك إن سببه شبيه بما فعلوه السادة العابرين للاتجاه المعاكس لكنه حدث عند التقاطع ذاته، فالكل في عجلة من أمره فاندفع الجميع من كل صوب واتجاه يمينه ويسره وللأمام وللخلف ومن كل الزوايا لأن الكل يريد العبور العظيم للوصول لعمله سريعًا للمشاركة في عجلة الإنتاج، فنحن قد أصبحنا بحماسنا هذا للوصول كل إلي عمله أو مقصده على طليعة الدول المتقدمة.
والسادة مسئولي المرور في هذا المكان غير قادرين على كبح جماح الحماس الجارف للناس. فها هم لم يحاولوا حتى عقاب السادة العابرين بجواري في الاتجاه المعاكس...... للتعذير والإنذار بأن للقانون ذراع طويلة تحمي الشعب.. لماذا؟ أنه القائد الفذ للميكروباص فها هو يلوح بيده بالتحية للسيد أمين الشرطة، أنه علي ما يبدو صديقه أو شريكه في السيارة أو حتى منتفعًا بمصلحة ما منه.
* سيارة الشرطة وقانون المرور الخاص:
الحمد لله.... إنني الآن أنهيت نصف الطريق في 40 دقيقة لأسرع الآن للوصول في الموعد المناسب للعمل، زوجتي تسألني عما سنفعل في المساء حيث مطلوبًا أن نزور فلان.... إنني أهم بالرد: ما هذا وأدير مقود السيارة بشدة نحو اليسار بعد التفاتة سريعة في مرآة السيارة اليسرى ....الحمد لله إننا نجونا من حادث مريع فقد كنت سأصطدم بسيارة الشرطة التي توقفت فجأة أمامي بدون أي إشارات سواء انتظار أو فرامل أو غيره... لقد توقفت فجأة فالسيد الباشا الضابط سينزل هنا.
لقد تساءلت بيني وبين نفسي: وهل تحتاج سيارة الشرطة لاستعمال إشارات الانتظار وإشارات الفرامل كأحد آداب المرور؟ وجدت نفسي أجيب على نفسي أيضًا: واضح إن آداب المرور لا تسري علي سيارات الشرطة فالشرطة يعلموننا آداب المرور لكنهم لهم آداب مرور أخرى يراعونها ولهم قانونهم الخاص... (آه أكيد ليهم قانون آخر في المرور... دول البوليس يا عم).
* حكومة الاتجاه الواحد والفكر الواحد:
أكملت سيري في شوارع المحروسة.... ها قد وصلت إلي نقطة ازدحام أخرى..... أنها نقطة جديدة لم تكن مزدحمة من قبل لكنها أصبحت بؤرة ازدحام مروري بعد تعديل أخير في سريان المرور في هذا المكان فتم إلغاء التقاطع الموجود وإجبار القادم من طريقي إلي الانحراف لليمين والسير للأمام قليلاً ثم القيام بالدوران للخلف لكن العبقرية الفذة في التخطيط لم تراعي إن ما فعلته جعل القادم من اتجاهي مع المتلاقي في ذات الاتجاه مع آخرين من اتجاهين آخرين يقوموا بالدوران في نقطة واحدة لذا فأصبح الحال أشد إيلامًا من قبل.
وأخذت أفكر في التخطيط الرشيد للقائمين علي المرور في القاهرة فهم أخذوا سياسة الاتجاه الواحد مؤخرًا في التخطيط المروري حيث وجدوا إن أسلوب إشارات المرور خاطئًا وله عدة سلبيات، فبعد أن كانت كل شوارع مصر تقاطعات وإشارات تم تحويلها إلي سياسة الاتجاه الواحد فهي طريقة نجحت في عدة أماكن فلا مانع من تطبيقها علي كل شوارع المحروسة أي كان..
فلما نجهد أنفسنا في التفكير عن أنسب الوسائل في كل مكان وكل حالة؟؟ لا إن العبقرية في الإدارة الحكومية المصرية ترجح كفه الاختيار الواحد والاتجاه الواحد في كافة مناحي واتجاهات الحياة وذلك رحمة بالمصريين في كافة الإدارات والهيئات من عناء التفكير، فلقد أصبح الاتجاه الواحد أسلوب حياة ومنهج عمل الحكومة.
فهناك حزب حاكم واحد يحكم أبد الدهر ولا تداول للسلطة بين الأحزاب وهناك اتجاه واحد لتغليب ونصرة فكر واحد أوحد علي أي أفكار أخرى، وهذا أفرز لنا مناخًا يقبل اتجاه واحد في الأفكار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والمذهبية في الدين الواحد –اتجاه يقبل أفكاره فقط رافضًا قبول أي أفكار مخالفة معتبرًا إياها خاطئة أو فاسدة أو كافرة– رافضًا قبول الآخر تمامًا (بالطبع لكل قاعدة شواذ فهناك من يقبلون الآخر لكني اقصد الظاهرة العامة).
ما هذا ها لقد عرجت في تفكيري من المرور في شوارع المحروسة نحو السياسة –صدقوني غصب عني ففعلاً المناخ العام يلقي بظلاله علي كل شيء في البلد.
* أحادية التفكير والكشف عن السر الخطير:
لقد اقتربت تمامًا من عملي وهذا الشارع الذي أنا به الآن به سيولة مرورية عالية ولا يقف أبدًا فهو أمام قصر الرئيس، ما هذا؟ اووه يا رب استرها... لقد وقفت جميع السيارات فجأة وتوقفت معهم..... طاخ كراخ خ خ .. طاخ أنه صوت اصطدام عدد سيارات ببعضها البعض نتيجة التوقف المفاجئ... الحمد لله إنني لم أكن منهم.
يا تري ما سبب إيقاف رجال الشرطة المفاجئ لنا بهذه الطريقة؟ لقد عرفت السبب فيما بعد.. لقد أصبح رجال الأمن يصدرون أوامر فجائية للسيارات بالتوقف خوفًا من حدوث ازدحام أمام قصر الرئيس وتوقف مروري كامل فيتم إيقاف السيارات قبل المرور أمام القصر ليسمحون لها بالتحرك مجموعة مجموعة فتسير بدون توقف أمام القصر –أنها إجراءات أمنية تم اتخاذها بطريقة مفاجئة، لست معترضا علي الإجراء ولكني اعترض علي أحادية التفكير- .
فهم عندما جال بخاطرهم التخوف الأمني علي قصر الرئيس فكروا في اتجاه واحد فقط هو تأمينه ولم يفكروا في باقي أفراد الشعب المارين بالشارع وكيفية تأمينهم وهذا قادهم إلي الخطأ الثاني وهو كيفية تنفيذ ما قروره كأنه سرًا حربيًا لا يحق لأحد معرفة أي شكل من أشكاله فلم يقوموا بعمل أي نوع من الإرشادات التي تطلب التهدئة قبل الوصول إلي القصر لا توجد أي إرشادات من أي نوع لقد تركوها مفاجأة لكل المارين لفترة طويلة -نحمد الله ان الناس قد تعودت بفعل المرور الكثير في هذا الشارع كما بالجهود الذاتية بين الناس وبعضها عرفوا أنهم يجب مراعاة الإيقاف المفاجئ في هذا الشارع- وبعد أن عرف الجميع سواء بتكرار المرور في الشارع أو بالجهود الذاتية للمواطنين بينهم وبين بعضهم أو بفعل حوادث الاصطدام بين السيارات وبعضها قام السادة المسئولين بالإفراج عن السر الحربي الخطير في إيقاف السيارات وذلك تمثل في عمل بعض المطبات الصغيرة والتي تشير للسيارات المارة بالتهدئة –حقيقي منهج غريب في التفكير وأكيد أكيد لا يرضي سيادة الرئيس-.
* مطلوب ثورة علي السلوكيات الخطأ:
احمد الله أنه بعد هذه الرحلة المضنية قد وصلت لعملي سالمًا في يوم جديد آخر بفضل الحماية الإلهية بعد عدة مهاترات أخري في الطريق من أتوبيسات النقل العام المفترسة وغيرها من سلوكيات عامة بالشارع القاهري من مواطنين أو رجال مرور أو شوارع أصبح السير فيها كأنك تسير في أحراش نيجيريا خاصة في بعض المناطق الشعبية التي تشعر فيها انك في دولة أخري تمامًا فغياب ذراع القانون والسلوكيات المحمودة وآداب المرور المرعية يكون هناك بشكل كامل.
نحتاج ثورة علي السلوكيات الخطأ من المواطنين، وتوعية تامة لهم عبر وسائل الإعلام، وذراع طويلة للقانون تصطاد المخطئين وتعاقبهم ولكن سواسية وبدون اعتبار لأن هذا ابن فلان أو علان أو هذه سيارة حكومية أو شرطية أو غيره –طبعًا هذا حلم صعب أن يطبق القانون سواء على المصريين- فهذا يرتبط بضرورة تغيير نمط الحياة السياسية ومنهج الحياة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا بمصر وتغيير الفكر والمناخ العام بالبلد ليكون قابلاً للآخر المختلف معه في كل أفكاره.
حلم صعب المنال الآن...... لكنه ليس مستحيلاً وقد يحدث ذات يوم.