بقلم: د. صبري فوزي جوهره   

تطرقت في مقال نشر في هذا الموقع , ومواقع قبطية أخرى بتاريخ 24-2- 2013, إلى "حاجة الأقباط إلى التغيير". تحدثت فيه عن ضرورة تفعيل ما أعلنته الكنيسة بجلاء تحت رئاستها الجديدة, وما تريده الغالبية العظمى من الشعب القبطي, خاصة الشباب و كافة النشطاء الذين ساهموا فى ثورة يناير 2011, من حتمية ابتعاد الكنيسة عن الهبوط الى مدارج العمل السياسي فهي و رئاستها على الأرض منزهة عن ممارسة هذه السلوكيات الملتوية. و اقترحت إعادة النظر إلى ما يسمى الآن بالمجلس الملى, و إعادة تسميته بما يوضح تمثيله لمصالح الأقباط السياسية إلى جانب معاونة الكنيسة في إدارة شئون الأقباط المالية و الداخلية و ما يتطلبه هذا التغيير من إعادة كتابة لائحة المجلس. اقترحت كذلك ان تكون غالبية أعضاء المجلس الجديد من غير "الاراخنة" إياهم, دون إقصائهم تماما, حتى لا يسهل التأثير خلالهم على مواقف المجلس و قراراته بالضغط على ذوى المصالح منهم. كما أشرت إلى أن مثل هذا التغيير ما هو إلى عمل "داخلي" لا يتطلب موافقة "الدولة" وخاصة و قد تهاوت مؤسساتها أو كادت, و ساءت مقاصد المسيطرين على حكم البلاد حاليا نحو الأقباط كما يعلم الجميع. فيكون التغيير ممثلا شرعيا للأقباط بصفته منتخبا من جموع الشعب, فلا "يتفلحس" "مفكر" عفن او معارض موتور بالتساؤل الخبيث الشهير "و مين قال لك تتكلم بلساني"! هذا بالطبع بصرف النظر ان مثل هذا المعترض يكون عادة من الخرس الذين يسكتون على الشر او المنافقين المتطلعين إلى الفتات او عتاولة مذهب "خالف تعرف".

 

 ما زال أعداء القبط و الوطن يتربصون بهم. تعاظم ذلك مؤخرا فى أحداث "الخصوص" ثم سقطة دولة على شفا الفشل و تدبيرها وتنسيقها لمحاولة النيل من معقل المصرية و المسيحية الاقدم و الاكبر  عندما اقترب السوقة و الرعاع الجبناء الذين لم يرتقوا الى مصاف البشر من أبواب السدة المرقسية العتيدة. عندئذ, و فى غياب هيئة قبطية مدنية شرعية  لم يكن من المستطاع سوى ان يهب البابا البطريرك بذاته واقفا للدفاع عن أشباله و عرينه بقوة ووضوح.  فكان بلا شك من أهداف هذا التعدي الوضيع على مقر البابا استدراج قداسته الى العمل السياسي. فلا يعقل ان يتم عدوان بمثل هذا الإجرام دون التعبير عن غضبه و المطالبة بالحق و العدالة. و بذلك, يعود احتواء الأقباط داخل أسوار الكنيسة و التعامل مع رئاسة الكنيسة عوضا عنهم و حجزهم عن المشاركة فى الاعتراض عما آلت إليه أحوال الوطن.  وأبعادهم عن التفاعل مع باقى المصريين فى التصدي لطغيان و سيطرة جماعة فاشية فاشلة لا تعير مصالح مصر "المطززه" شرو نقير! أضف إلى ذلك, انه في حالة نجاح مخطط صبغ البابا بصبغة التطلع الى او الاستعداد فى المشاركة فى السياسة,ستسهل على السلطة مهمة التعامل مع الأقباط المحاصرين بممارسة الضغوط على ابيهم البطريرك و لا يغدو امامه من بديل سوى مسايرة الدولة و الرضوخ لابتزازاتها حفاظا على  سلام مؤقت لأبنائه لا يلبث ان يتهاوى بتكرار العدوان و المظالم عليهم مرات و مرات.
 

 و بما ان الزمن الذي تجاسر فيه عجراف متعصب سفيه مثل أنور السادات بالتعدي على رئاسة الكهنوت القبطى قد مضى الى غير رجعة. فليبقى البطريرك على كرسيه و يتظاهر الفاشيون بالتعامل معه فيتم  تخدير الأقباط و إسكاتهم بهذا حيث انه من غير المستطاع ايضا ان يضع زبانيه الحكم الجدد ملايين الأقباط في السجون و المعتقلات و إسكاتهم بداخلها فلا تعلو أصواتهم مطالبة بالمساواة التامة بغيرهم من المصريين. إما إذا استشهدوا فلا بأس: هذا ما أعلنوا استعدادهم له بأنفسهم على الملأ. الاستشهاد هوعلامة تاريخهم  المميزة. لذلك شبه للمتعصبين انه من المستطاع إسكات الأقباط بالتظاهر بالتعامل مع رئاستهم الدينية و حاولوا استدراج هذه الرئاسة الى التعامل المباشر معهم بارتكابهم إعمال إجرامية متكررة تصاعدت إلى الاعتداء على مقر الكرسي المرقصي, وهو أمر افترضوا بدقة انه سيجلب البابا ذاته إلى ساحة المهاترات في غياب هيئه مدنية شرعية موحده تتولى التعامل مع عدوانهم.
 

هناك أيضا معطيات أخرى  يجب ألا تغيب عنا: الاهتمام الأول لرئاسة الكهنوت الجديدة, كما صرح قداسة البابا, هي إعادة "تنظيم البيت (القبطي) من الداخل" و هذه  مهمة هامه و عسيرة  تتطلب الكثير من الحكمة و الصبر و التأني . و لكن الأعداء لم يمهلوننا فرصة التفرغ لهذا العمل. فبوضاعة متناهية النظير و شر لا يضارع, تصاعد عدوانهم و تتابعت جرائمهم في تصعيد لم يصبح من المستطاع تجاهله او السكوت حياله فأصبح من الضرورة التصدي لهذا الشر المطبق بالعمل القبطي السياسي المنظم الفعال فورا.
 

 و لما كان قداسة البابا توا ضروس الثاني قد أعلن, محقا, في أكثر من مناسبة, أن لا رغبة للكنيسة في ارتياد دهاليز السياسة  او ممارسة أساليبها, فليست هذه هي الدعوة التي قامت من اجلها. بل يجب ان تظل عالية شامخة فوق مفاسد السياسة و مساوئها. على من أذن تقع مسؤليه الإعلان و الدفاع و الحصول على حقوق الأقباط السياسية فى مصر؟ يقع هذا العبء الجسيم على الشعب القبطي بأكمله. لذلك وجب الإسراع بانتخاب من يمثلونه أمام السلطة القائمة في البلاد. وبما إن جميع محاولات إقامة  هيئة قبطية جديدة موحدة للتعامل في شئون السياسة قد فشلت جميعها تماما و بلا استثناء فى داخل مصر و فى خارجها, فلما لا نعمل بما هو قائم فعلا بين يدينا بعد إدخال التعديلات الأساسية اللازمة لضمان شرعيته و نجاحه. من هنا جاءت دعوتي التي عرضتها في مقالي المشار اليه عاليه للإفادة من وجود ما يسمى الآن بالمجلس الملي, والبدء بتغيير اسمه إلى ما يشير الى وضعه القبطي المدني, ثم تعديل لوائح انتخابه و النص على تحمله مسئولية التعامل مع الدولة باسم الأقباط في كافة الشئون المتعلقة بالسياسة.تنظيم قبطي داخلي, هو بلا شك من عناصر "إعادة تنظيم البيت" لا يتطلب اعترافا جديدا من دولة لا تعمل, خاصة إذا ما كان العمل يتعلق بمصالح الأقباط!   يجب الإسراع في تفعيل هذا الأمر لان الأعداء يتربصون لنا بخبث و بلا هوادة. الأمر يتعلق بالوجود القبطي في مصر. 
 

 ليس هناك ما هو اخطر شأنا من هذا حتى لانترك أنفسنا فريسة لمخططات أعدائنا، و على من يدعون أن هناك أسبقيات أخرى, ألا نستطيع أن نسير و نتنفس فى وقت واحد كما يقال؟ لقد فرض علينا أعدائنا التحرك الذكي السريع المؤثرلاحباط مخططاتهم, و لا شك اننا "أدها وأدود". الم تبهر قيادة صاحب النيافة انبا باخوميوس أنظار العالم خلال إجراءات اختيار رئاسة الكنيسة بعد انتقال أعظم بطاركة العصر و أعطينا, نحن أقباط مصر و العالم, أمثلة تحتذي في التحضر و الكفائه  فانعم الرب لنا ببطريرك تعلقت عليه آمال الوطن و الأقباط. عندما قام الأقباط بما عليهم, عوضهم الرب و كافأهم بعطائه الجزيل.  و في استطاعتنا, بل و من المحتم علينا الآن, تكرار هذا الأداء المتميز لأقامه هذه الهيئة المدنية سريعا حتى يعلو صوت الأقباط عاليا في تقرير مصير البلاد و لا يبقى هناك سبيل لإسكاتهم. هيئه مدنيه شرعية قوية تساندها جموع الأقباط الهادرة المطالبة بالحق و الخير للوطن و كافة أبنائه. 
 

لا نستطيع التخاذل فى مقاومة الشر او التقوقع بعيدا عنه لان الشر "كالبلاك هول"  يبتلع و يمزق كل ما يقع فى مجاله  إلى غير رجعة. أن حرصنا الشديد على الدفاع عن كيان الوطن والفخر بهويته و مكانته و حضارته  و أمالنا المنعقدة على رخائه لا تنبع من التصاقنا و حبنا الابدى به فقط بل تمتد أيضا إلى الوجود القبطي ذاته.
 

 الرب لا يساعد من لا يعمل. فالعلاقة بين الخالق محب البشر و خليقته هي مثل بناء القوس في المعمار, لا يعلو و لا يستقيم ان لم يعمل و يبنى الإنسان جانبه بأمانة و إتقان, فيقابله عمل الله من الجهة الأخرى حتى يكتمل.