بقلم : الدكتور عادل عامر
اعترفت السفيرة الأمريكية «آن باترسون» أن الولايات المتحدة منحت بعض المنظمات والحركات 40 مليون دولار من وراء ظهر الحكومة، ناقضة بذلك الاتفاق الذي أبرمته الحكومة الأمريكية مع الحكومة المصرية عام 2004 بقصر المنح على الجمعيات والمنظمات المسجلة بوزارة التضامن أو التي تخضع للأجهزة الرقابية في مصر. والأخطر من ذلك والكلام على مسئولية منظمة فريدوم هاوس، كما جاء على صفحتها الرسمية أن أمريكا تدعم حاليا الحركات السياسية «لنشر الديمقراطية» وتغيير الأنظمة عن طريق الإضراب والمقاطعة والوقفات الاحتجاجية، وتأليب الشعوب ضد الحكومات والأنظمة بغرض وصول تلك الجمعيات والمنظمات إلى السلطة، ومن هنا تكون الكارثة في حالة وصول تلك الحركات إلى سدة الحكم حيث يكون ولاء الرئيس وأعضاء الحكومة ل «ماما أمريكا» التي مولت وأنفقت وأسقطت الأنظمة والحكام والدول بدعم أبناء الوطن الواحد، كما يتأكد ذلك في إصرار جيمس بيكر مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قبل إقالته على الاستمرار في تمويل تلك المنظمات؛ قائلاً أن الإدارة الأمريكية غير معنية بتسجيل المنظمات الأهلية لدى الحكومة المصرية، وأن التقصير يرجع إلى الحكومة والتي يمكنها منع تلك المنظمات من الحصول على هذه الأموال. كما قال صراحة: إن منح الأموال لا يتم بطريقة عشوائية ولكن يشترط عند المنح أن تجتاز تلك المنظمات الشروط الأمنية الأمريكية مما يثير شكوكا كثيرة حول تلك المنظمات في مصر. تعد المساعدات الاقتصادية الأمريكية إلى الخارج واحدة من الأدوات الفعالة لتحقيق أهداف السياسية الخارجية الأمريكية ومنذ خرجت الولايات المتحدة إلى الوجود كقوة عالمية كبرى بعد الحرب العالمية الثانية احتلت المساعدات إلى الخارج دورا بالغ الحيوية كأداة لتحقيق هدف أساسى يتم تعريفه على المستوى الرسمى بأنه تعزيز الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية ولما كانت الولايات المتحدة قوة كبرى وزعيمة للعالم الحر الآن فإن حدود أمنها القومى تتسع لتغطى العالم بأسره، ومن ثم فإن تعزيز هذا الأمن يتطلب الاحتفاظ بشبكة مترابطة من العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية مع الخارج وذلك من خلال أطر مؤسسية كالأحلاف أو نصوص تعاهدية ثنائية لضمان المصالح العليا للولايات المتحدة. ومنذ البداية فإن العامل المسيطر والمحرك لنظرية الأمن القومى للولايات المتحدة هو مواجهة النظام الاشتراكى وعلى رأسه الاتحاد السوفيتى وتعبئة كافة القوى لمواجهة ما يسمى بالتوسع والغزو الأحمر ومن ثم فقد كانت الحرب الباردة وسياسات العداء للاتحاد السوفيتى هى المحور الرئيسى الذى تقوم عليه السياسات الخارجية الأمريكية طوال الفترة الممتدة من أوائل الخمسينات حتى أوائل السبعينات حينما بدأت تتغلغل إلى دهاليز السياسة الخارجية الأمريكية وقاموسها تعبيرات مثل الوفاق والتعاون بين الشرق والغرب وهى المصطلحات التى تعبر عن حالة جيدة فى العلاقات بين القوتين الأعظم نستطيع القول بأن هناك علاقة مؤكدة بين الاتجاه العام للسياسة الخارجية الأمريكية وسياسات المعونة أو المساعدات الاقتصادية للخارج بوصف هذه الأخيرة جزءا لا يتجزأ من بنيان السياسات الخارجية وأحد أدوات تحقيق أهدافها الاستراتيجية وكان من الطبيعى إذن أن تنعكس التطورات فى مجرى السياسة الخارجية الأمريكية على سياسات المعونة والمساعدات الاقتصادية الخارجية ففى فترة الحرب الباردة وهى الفترة الممتدة حتى أوائل السبعينات كانت المساعدات الاقتصادية الأمريكية إلى الخارج تتنقل أساسا من خلال العلاقات الثنائية وكانت اتفاقات المعونة هى الصورة البارزة لتدفق المساعدات الأمريكية إلى الخارج فى هذه الفترة وكانت هذه المساعدات تتخذ شكل المعونات الغذائية والقروض على وجه العموم أما فى الفترة الثانية وهى التى تبدأ من أوائل السبعينات واتباع سياسية الانفراج أو الوفاق فإنه يلاحظ زيادة الاهتمام الأمريكى بتوفير المساعدات عن طريق العلاقات متعددة الأطراف ومن خلال مؤسسات التمويل الدولية وعلى وجه الخصوص البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وبينما نلاحظ فى المرحلة الأولى أنه كانت هناك شروط أمريكية واضحة لإعطاء المعونات إلى الدول النامية من خلال الاتفاقات الثنائية فإن الفترة الثانية شهدت تحولا فى طريقة إملاء هذه الشروط حيث أصبحت المعونة تتقرر من قبل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى اللذين تسيطر الولايات المتحدة عليهما عليا سواء من خلال رأس المال أو عملية اتخاذ القرارات عن طريق قوتها التصويتية وسيطرة موظفيها إن التطورات التى حدثت فى طبيعة النظام الاقتصادى العامة وهيكل العلاقات السياسية الدولية كانت تفرض على الولايات المتحدة ضرورة اللجوء إلى تلك الأشكال من الوصاية الدولية متعددة الأطراف بحيث تتحقق فى النهاية أهدف الأمن القومى الأمريكى ودون أن يظهر دور الولايات المتحدة كدولة كبرى دورا سافرا فى هذه الوصاية. ينبه التداول الواسع لمفهوم المجتمع المدني في الخطاب المعاصر، وخصوصا في الخطاب الثقافي العربي، الى ضرورة العمل على المستوى المفاهيمي لتأصيل المفهوم عبر«اعادة صياغة المفهوم وتحديد مدلولاته النظرية والعملية، مما يستدعي رصد مكوناته المعرفية، والعودة الى الفضاء الزماني الذي شهد ولادته، ورسم الملامح العامة للتطورات والتمايزات التي طرأت عليه في سياق صعود اوروبا البرجوازية الصناعية باقتصادها وفلسفتها والحركات والثورات الاجتماعية التي ساهمت في تكريس قطعية متعددة الوجوه مع عالم العصور الوسطى..... التقاط الجوهري والدال في مسيرة تمتد ثلاثة قرون.... حيث تكون المفهوم في اطار الفلسفة الليبرالية ومفرداتها: الميثاق او العقد الاجتماعي، مقابل نظرية الحق الالهي للملوك ـ التعددية السياسية مقابل الحكم المطلق ـ الحريات العامة في الحياة والملكية والعمل والرأي والمعتقد، مقابل حرية الأقلية الارستقراطية.... حق المواطنة تجاوزاً للانتماء الضيق: ديني، مذهبي، اثني، عرقي السيادة للشعب فصل السلطات.. الخ» . قبل التعرف على مفهوم المجتمع المدني في اطار تاريخيته والتحولات التي شهدها فلسفيا وسياسيا كما تجلى وتم تداوله في الخطاب المعاصر، لابد من الانطلاق من تعريف اجرائي يهدف الى توضيح وضبط الاسس التي يقوم عليها، خصوصا وإن شيوع استخدامه قد زاد تشوشه واضطرابه وحجب ضرورات التفكير في تأصيله النظري، وغيّب الى حد كبير امكانية تناوله النقدي. وهناك من يعرّف المجتمع المدني على نحو اجرائي بأنه جملة " المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة لأغرض متعددة منها :
أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني، ومثال ذلك الاحزاب السياسية، ومنها غايات نقابية كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة، والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح اعضائها، ومنها اغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف الى نشر الوعي وفقا لاتجاهات اعضاء كل جمعية، ومنها اغراض اجتماعية للاسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية. وبالتالي، يمكن القول إن العناصر البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي : الاحزاب السياسية، النقابات العمالية، الاتحادات المهنية، الجمعيات الثقافية والاجتماعية " . فالمجتمع السياسي يوجه قطاعات المجتمع المدني المختلفة عبر الآلية القانونية والقضائية للدولة، بما يكفل حق أفراده وحريتهم في المبادرة والعمل وفقاً لأحكام الدستور، في الوقت الذي يمنح المجتمع المدني المشروعية للسلطة السياسية وهي إحدى أهم أسباب بقائها واستمرارها. بصيغة أخرى لا بد من رصد التفاعل المتزايد بين المدني والسياسي ونبذ جميع الاحتواء والتهميش أو الإقصاء لأي منهما على حساب الأخر. كما أنه بصفة أدق حقل للتنافس وفضاء للصراع، وميدان لعمل القوى الاجتماعية ذات المصالح والرؤى والمواقف المختلفة بل والمتناقضة، فالميدان منفتح على ممكنات عديدة واحتمالات متعارضة، يتوقف تحقيق بعض منها دون البعض الآخر على إمكانيات وبرامج وتحالفات تلك القوى، أي أنه نتاج تشابك علاقات القوة والسلطة والمعرفة بتغير حواملها الاجتماعية واستراتيجيات إدارة الصراع، التي يتبناها كل طرف.وهذا يعني أن المضمون السياسي والإيديولوجي للمجتمع المدني ليس معطى
متجانساً محدداً سلفاً، بل يتشكل ويعاد بناؤه في كل مرحلة انطلاقاً من موازين القوى الاجتماعية المكٌونة له .