بقلم: جرجس بشرى
فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي "شيخ الجامع الأزهر" يُعد واحدًا من أكثر رجال الدين الإسلامي المُثيرين للجدل..
فللرجل مواقف وتصريحات كثيرة تميزت بالجرأة والشجاعة في أحيان كثيرة، كما أن للشيخ مواقف أثارت ردود أفعال غاضبة لدى رجل الشارع العادي وأحيانًا لدى النخبة المُثقفة، ويتهم البعض الشيخ محمد سيد طنطاوي بأنه بوق للسُلطة "النظام الحاكم".
ومن أبرز التصريحات التي صدرت عن الشيخ طنطاوي وأثارت غضبًا وسُخطًا عارمًا لدى بعض المتشددين الإسلاميين ذلك التصريح الخطير الذي أدلى به أمام إحدى الجمعيات النسائية ونشرته جريدة الأحرار في 22 فبراير عام 1995 -عندما كان يشغل منصب "مُفتي الجمهورية" حينئذ-، فقد صرح في الإجتماع بأن "قيام أجهزة الأمن بقتل الجماعات المُتشدة جائز في شريعة الإسلام أخذًا بالقصاص"، وقد علقت مجلة "المُختار الإسلامي" في عددها الصادر في 15 مايو 1995 على تصريح طنطاوي تحت عنوان "المُفتي الجبار" بقولها أن كلام الشيخ يعتبر تبرير لأعمال قتل مُتعمد وإبادة أدانتها المُنظمات المحلية والعالمية المهتمة وربما كان السبب في ذلك أنها لا تتبع شريعة الإسلام التي تبيح القتل، وتساءلت المجلة قائلة في ردها على تصريح طنطاوي: ثم ما هذا الحديث المُبهم والمُعمم عن قتل الجماعات المُتشددة على إطلاقه، وهل القصاص الذي تبيحه شريعه الإسلام نوع من العقاب الجماعي يؤدي إلى قتل سائر القبيلة آخذًا بذنب أحد أفرادها على فرض وجود هذا الذنب؟ ولماذا هذا الترخيص السهل للبعض بالقتل أخذًا بالشُبهات بل وبالإسراف والتوسع في دائرة القتل؟ أم أن القتل حلال على الحكومة حرام على غيرها؟ ويا ليت الدكتور يجيب لنا على سؤال مهم يفترض أنه من اختصاصه وهو يتصدى للإفتاء، من الذي يحدد الجريمة ونوع القصاص وطبيعة المجرم هل هي الشرطة أم القضاء؟ إنه بهذا التحديد وإعطاء الشرطة دور القصاص يمحو بجرة قلم كل النظام القانوني والقضائي المصري.
ومن التصريحات الجريئة لشيخ الأزهر قوله أنه مُستعد لزيارة إسرائيل متى سمحت الظروف بذلك، وكذلك دعوته لرئيس إسرائيل ووزيرة خارجيته لزيارة الأزهر، وبسبب مُصافحتة التي بدت حميمة للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر حوار الأديان بالأمم المُتحدة قامت الدنيا ولم تقعد لدرجة أن جماعة الإخوان المسلمين طالبته بتقديم إعتذار للعالمين العربي والإسلامي عن هذه الفعلة، كما طالب البعض بعزله من منصبه على اعتبار أن مُصافحته للرئيس الإسرائيلي تعتبر نوعًا من التطبيع مع دولة إسرائيل وتوضح موقف المؤسسة الدينية الإسلامية في مصر من دولة إسرائيل، إلا أن الشيخ لم يهتز بسبب الحملات المُطالبة بعزله بل وصف الرافضين للتطبيع مع إسرائيل بـ"الجُهلاء والجُبناء".
ومما يؤخذ بحق على شيخ الأزهر رغم مواقفه الشجاعة التي تحسب له موقفه من حرية الصحافة في مصر عندما أباح جلد الصحفيين، وذلك عقب شائعة "صحة الرئيس" حيث قال "إن شريعة الإسلام ساوت بين الجميع في عقوبة القذف التي فيها عدون أثيم على الأطهار والأخيار من الرجال والنساء، وقد عاقب الله هؤلاء الذين يقذفون غيرهم بثلاث عقوبات أولاها حسية تتمثل في جلدهم ثمانين جلدة.."، وقد أثارت هذه الفتوى غضب جموع الصحفيين، ولكن ظل طنطاوي متمسكًا بموقفه لدرجة أنه قال "إذ لم أكن جادًا في تطبيق مثل هذا الحد لا أكون مُسلمًا حقيقيًا"، وقال لجريدة الوفد القاهرية "أقول ما أعتقده.. أليست هذه حرية الرأي التي ينادون بها.. ويحللونها لأنفسهم ويحرمونها على غيرهم"، كما قال ردًا على مطالب بعض الصحفيين بعزله من منصبه بسبب لإباحته حد الجلد "إللي بيقولوا اعزلوه أنا أرد عليه وأسأله.. هل أنا جاي من بيت أبوك؟!! ".
وكلنا لا ينسى الهجمة الشرسة التي تعرض لها الشيخ محمد سيد طنطاوي عندما طالب بحظر ارتداء النقاب كليات جامعة الأزهر والمعاهد التابعة لجامعة الأزهر والمدن الجامعية للطالبات، وكان طنطاوي قد أكد أن النقاب عادة وليس عبادة.
ومما يُحسب لشيخ الأزهر أيضًا رده على الفتوى التي استصدرتها منظمة الإتحاد المصري لحقوق الإنسان من دار الإفتاء والتي ساوت الكنائس بنوادي القمار وحظائر الكلاب والقطط، وأكدت على أنه لا يجوز للمسلم أن يتبرع لغير المسلم ببناء كنيسة على اعتبار أن الكنيسة تُعد معصية ونوعًا من أنواع الشِرك، حيث استنكر فضيلته الفتوى أثناء لقاء بينه وبين وفد من منظمة الإتحاد الصري لحقوق الإنسان وقال "الشرع لا يمنع المسلم من أن يوصي ببناء كنيسة إذ أنه حر في أمواله لأنه قد يجد تعاونًا ومنفعة من شقيقه المسيحي بل قد يجد أن هناك من المسيحيين من يتبرعون لبناء المساجد، وأتمنى أن أرى كنيسة ومسجد في كل شارع وأن الأزهر ليس لديه مانع من إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة الموحد".
وبرغم إتهامات البعض للشيخ طنطاوي بأنه بوق للنظام الحاكم في مصر أنه يلاحق الصحفيين إلا أنه سيظل من أكثر رجال الدين المسلمين المشهود لهم بالسماحة والوسطية في تاريخ الأزهر.