بقلم : القس فيلوباتير جميل
لعل كثير من المسيحيين يختلفون معي حول هذا العنوان فكل ما رآه الأقباط بعد ثورة الخامس والعشرون من يناير لا ينسجم مع فحوى هذا العنوان فالواقع يقول أنه قد تم هدم ثلاث كنائس وحرق الرابعة بعد الثورة وكذلك تعرض المسيحيين لمذابح حقيقية في المقطم وإمبابة وماسبيرو والخصوص وكذا تعرضت الكاتدرائية لاعتداء غير مسبوق من قبل جهاز الشرطة المصري لتكتمل صور الاعتداء من كل الأجهزة المصرية الرسمية الجيش في مذبحة ماسبيرو والمقطم ودير الأنبا بيشوي والشرطة في مذبحة الخصوص واعتداء الكاتدرائية والسلفيين في هدم وحرق الكنائس الثلاث والإخوان الذين يتحملون مسئولية كل هذه المذابح والاعتداءات بالإضافة طبعا لمسئوليتهم الواضحة والمباشرة عن مذبحة كنيسة القديسين التي أتشرف باني اول من قدم اتهام واضح ومباشر لمن يقبع الان في قصر الرئاسة وأكدت ان كل الشواهد تؤكد مسئوليته ومسئولية تنظيم حماس الارهابي عن هذه المذبحة ..!!!
أعود لعنوان هذا المقال الذي قد يراه البعض عنوان مخالف للواقع وبخاصة بعد هذا السرد التاريخي المحزن بعد عامين ونصف من الثورة المصرية فما هي أسبابي ودوافعي لهذا العنوان ..
أولا الكل يعلم بان هناك من المذابح الحقيقية التي عانى منها الاقباط على مر العصور سواء ايام حكم السادات حيث كنيسة الخانكة والزاوية الحمراء واعتقال قيادات الكنيسة ومحاولة فرض الشريعة الإسلامية وصوم المسيحيين واستشهاد الكثيرين وقبلها حرق كنيسة في السويس بعد ثورة العسكر بالمصلين ثم عصر مبارك الذي يظن البعض بانه كان أزهى عصور الأقباط وكأننا سننسى مذبحة الكشح ونجع حمادي والفكرية وقتل رجال كهنوت في سمالوط ومذابح كثيرة واعتداءات متكررة ربما لو كانت لدينا وقتها إمكانية حقيقية للتظاهر لاستطعنا تسليط الضوء أكثر على هذه المذابح والتي شملت في أحداث كثيرة التمثيل بجثامين الشهداء إذن فالأمور تكاد تتساوى فلم تعرف الكنيسة في مصر منذ دخول الإسلام الا فترات قليلة جدا من الهدوء والباقي اضطهاد واستشهاد وضيقات وتجارب وأتمنى الرجوع لكتب التاريخ الحقيقي وليس المزيف فجميعنا يرى ان من يحكمون مصر على مر التاريخ منذ دخول الإسلام لديهم قدرة رهيبة يحسدون عليها على تزوير التاريخ !!!!!
ثانيا يعتبر هذا العصر من أفضل العصور لكونه يحمل اضطهادا واضحا من التيارات الإسلامية المتشددة التي تحكم البلاد الآن وأصبح من السهولة تحديد المسئولية فمن المؤكد بان هذه التيارات كانوا يمارسون اضطهادا مستترا ضد الأقباط في الماضي أما الآن فيمكن بمنتهى الوضوح القول بأننا نعيش عصر استشهاد جديد يتكرر فيه سفك دماء المسيحيين بعنف كما في ايام الرومان و بعض عصور التشدد الإسلامي وما أكثرها وجميعنا يعلم أن عصور الاستشهاد دائماً تشهد نهضات روحية ضخمة ويسمح بها الله حينما تكون الكنيسة في أزهى عصورها والإيمان المسيحي في أقوى أوقاته وحينما تزداد خطورة المسيحيين على مملكة إبليس نجد الشيطان يسخر كل جنوده وأدواته لمحاربة الكنيسة فليس - مرسي أو بديع أو الشاطر أو غنيم أو ابو اسلام وغيرهم ممن يستخدمهم الشيطان - ليسوا إلا أدوات يحاول ان يضرب بها الشيطان الكنيسة والمسيحيين حينما يجدهم خطيرين جدا على مملكته .. وهذا بالتأكيد يتعارض مع الفكر السائد بأننا بعيدين عن الله لذلك يسمح لنا بالتجارب وادعوا الكل للتفكير في الخط والنهج الرائع الذي اختاره قداسة البابا المعظم الأنبا تاوضروس في الشهادة لكلمة الحق بلا مواربة وكذلك سعي قداسته الدؤوب للتقارب مع الكنائس الأخرى الأمر الذي يمكن ان يؤدي إلى وحدانية القلب وجميعنا يعلم خطورة هذه الوحدانية على الشيطان وجنوده !!!!
ثالثا من مكاسب ثورة يناير ايضا أنها كشفت عن وطنية حقيقية كامنة في قلوب المسيحيين وقدرات رائعة واضحة في اختياراتهم فاختار المسيحيين بعد الثورة ان تظل الكنيسة بعيدة تماماً عن أي توجيهات انتخابية وكذلك انحاز المسيحيين للتيارات المدنية التي يندم كل من ابتعد عنها وانحاز لغيرها وكذلك كللها الاقباط ليلة عيد القيامة المجيد وأظهروا وعيا حقيقيا في انتقاء من هو يستحق التحية وقدموها بحب شديد ومنعوها عن من لا يستحق ... كذلك كانت لهم رؤية واضحة منذ بداية الثورة وشاركوا فيها حتى دعوة مثلث الرحمات بعدم المشاركة حملت رؤية واضحة وكان صاحب رؤية ثاقبة في ذلك حينما تقابلنا مع قداسته قبل التنحي بيومين اكد لنا ان التيارات المتشددة هي البديل الجاهز للسطو على هذه الثورة والاستفادة منها ... وهكذا اكد الاقباط أنهم أصحاب رؤية سياسية ثاقبة رغم كل ما يعانوه من اضطهاد ممنهج ومنظم !!!!
رابعا ايضا كشفت الثورة المصرية عن بعض الوجوه المسيحية اليهوذية التي طالما شاركت في خداعنا محاولة إيهامنا بانها تدافع عن قضيتنا القبطية العادلة ولكنها للاسف باعت نفسها للسلطة وللنظام سواء نظام مبارك قبلا أو نظام الاخوان فمنهم من عقد الصفقات على حساب دماء شهداء أبرياء في ماسبيرو وشارك في إخراج تمثيلية هزلية محاولا إلصاق مسئولية المذبحة بالأقباط انفسهم وكذلك عقد جلسات ولقاءات مع مسئولي المذبحة الحقيقيين من المجلس العسكري بل تجاسر وسخر قناة تلفزيونية مسيحية يحمل اسم كاروز الديار المصرية ليدافع عن هذه القيادات !!! ثم الان نجد يهوذات حقيقيين يقبلون كراسي في مجالس نيابية باطلة ومناصب ويستخدمهم النظام ليكونوا أبواق هتاف ومندوبين عنه في الاحتفالات الكنسية آملين في ان يجلسون في المجالس الأولى في المحافل والتحيات غير مدركين ان هؤلاء ينطبق عليهم تماماً ما نطق به رب المجد يسوع من ويلات ليهوذا وللكتبة والفريسيين والناموسيين والصدوقيين المرائين !!!!! هؤلاء جميعهم كشفتهم الثورة المصرية وكشفت دورهم ووجههم الحقيقي !!
أخيرا أقولها بكل وضوح وثقة لا تتسرعوا في الحكم على الثورة المصرية فهي لم تنتهي بعد ونتائجها لم تظهر بعد فليس حكم الاخوان الا مرحلة أتصور أنها ستنتهي قريبا وهذا أمر تحدثت فيه مع كثيرين أننا سنمر بمنحنى بسيط يحمل بعض التشدد انما لن تنتهي الامور هكذا فالشعب المصري على مر العصور لم يعرف التشدد أو المغالاة في تدينه وسيلفظ قريبا بديع والشاطر ومرسي والبلتاجي وحجازي وغيرهم من رموز التشدد وسيخرج من هذا المنعطف التاريخي منتصرا كما عودنا فنحن شعب يبهر العالم دائماً بأفكاره ولا يمكن ان يستمر عصر الظلمة هذا كثيرا فنحن بالحقيقة شعبا مباركًا.