بقلم: لبنى حسن
من الطبيعي أن ترى بائع متجول بيشوي سحالي على الرصيف، ويقلي أنواع أخرى من الحشرات الطائرة، والزاحفة. لم أميز منها سوى الصراصير، ومن المعتاد أيضا أن ترى فيل يسير في الشارع مع صاحبة تمامًا كما تسير القطط و الكلاب عندنا، فهذا أمرغير لافت للنظر. كما أن نفس الكوافير للنساء والرجال، ودون أي فصل أو ساتر، فلا توجد محلات مخصصة لكل جنس...أتحدث عن تايلاند حيث لا يعترف التايلانديين بفكرة "الفصل العنصري" لدرجة أن بعض دورات المياه مشتركة!!
وجدت نفسي دون ترتيب في بانكوك عاصمة تايلاند، وهي بلد لم أكن أعرف عنها شيئًا سوى أنها في قارة آسيا، فلم أكن أفكر قط في زيارتها أو حتى زيارة أي دولة أخرى، حيث أنني شخصية لا تهوى التنقل والسفر ولو لمجرد السياحة، وحتى عندما كان يطرح أحد أفراد أسرتي فكرة السياحة لم تكن تايلاند ضمن قائمة البلاد التي أتذكرها كوجهات سياحية ولكنه ترتيب القدر الذي أوصلني هناك، بعد أن خضعت لرغبه أسرتي في قضاء أجازة مختلفة.
تايلاند أو مملكة تايلاند دولة سياحية من الطراز الأول طبقًا لأعداد السياح الذين يتوافدون عليها سنويًا، من مختلف الدول لدرجة أن هناك أربع طائرات يوميًا تقلع إليها من مطار دبي -على سبيل المثال- وبالرغم من هذا، فتجد جميع المقاعد محجوزة لأسابيع قادمة.
عرفت من شركة السياحة أن بها عدة مدن، وجزر سياحية، ولكن لضيق الوقت وقع إختيارنا على العاصمة بانكوك.
بعد رحلة طيران طويلة نسبيًًا على الخطوط التايلاندية التي تمتاز بالحفاوة الشديدة وحسن الضيافة، والخدمة المتميزة، ولكن يعيبها كثيرًا ضيق الكراسي، وقرب مسافة كل صف من الأخر و كأنها مصممة على مقاس أطفال أو المواطن التايلاندي النموذجي ضئيل الحجم. فبالرغم من نحافتي "المفترضة" إلا أن تلك الكراسي جعلتني اقتنع أن عليه أن أفقد نصف وزني، فربما أرتاح في المرة القادمة، و لكنه يظل مجرد إحتمال حيث أنني لا اضمن أن تقصر قامتي للنصف أيضًا، حتى تتناسب والمسافة بين صفوف الكراسي.
هبطنا في مطار بانكوك حيث صالة وصول مزدحمة ومكتظة بجنسيات كثيرة، بالرغم من تواضع المطار نسبيًا. مررنا فور خروجنا من الطائرة أمام كاميرات حرارية، وهو إجراء يمنح السياح بعض الإحساس بالأمان خاصة، و أن أجهزة هواتفنا النقالة إلتقطت في نفس اللحظة رسالة ترحيب بالإنجليزية من وزارة الصحة التايلاندية، تؤكد علينا بعض الإجراءت الإحترازية من أجل الوقاية من أنفلونزا الخنازير، ولم تكاد أعيننا تقع على أي موظف إلا و كان يرتدى كمامة.
خرجنا من المطار في سيارة مكيفة كما هو حال جميع السيارات هناك، لم أستطع التواصل مع السائق حيث كان يتحدث اللغة المحلية فقط.
بشكل عام البلد تشبه مصر كثيرًا، وفي بعض الأحيان كنت أشعر أنها أكثر فقرًا، بالرغم من أنها تتفوق على مصر في الصادرات و أعداد السياح و معدلات النمو الاقتصادي. المباني قديمة و متهالكة حتى قرب المطار. رائحة العادم في العاصمة تكاد تخنقك خاصة حينما تمتزج بالرياح المتربة التي تهب من حين لأخر. التوكتوك يزحم شوارع بانكوك الرئيسية حيث مصرح له أن يسير في أي مكان خاصة و أن صغر حجمه يساعده في الوصول لأماكن قد تصعب على السيارة، كما يصعد فوق الأرصفة، و يقوم بحركات عشوائية، ذكرتني بسائقي الميكروباص في المحروسة.....صور الملك و الملكة في كل مكان و لهما قدسية خاصة، فهما خط أحمر حيث يعرضك أي لفظ غير لائق أو سخرية منهم إلى عقوبة السجن.
هي دولة ذات مساحة كبيرة، وتعداد سكانها يفوق الستين مليون نسمة، و يوجد منهم تسعة عشر ملايين في العاصمة وحدها خمسة وتسعون في المائه من السكان يعتنقون البوذية.
عموماً الشعب فقير والشوارع غير نظيفة وهناك كم هائل من الباعة الجائلين، والمتسولين و تستطع عينيك بسهولة، إلتقاط مناطق عشوائية لكن هناك أيضًا مناظر طبيعية جميلة، وأسواق ليلية، وأخرى مائية، ورحلات نهرية راقصة، ومولات كثيرة ضخمة وفخمة بها ماركات عالمية تستهدف السياح وأغنياء تايلاند، ولكن كله بالفصال و أنت وشطارتك.
الأسعار في المولات عالمية، فبالرغم من شهرة تايلاند بالصناعات الجلدية، والمنسوجات إلا أنها تباع بنفس الأسعار التي تجدها في أي دولة أخرى، وبالرغم أنني أرتدى مقاسات صغيرة في الدول العربية أو في المستورد إلا أنني هناك لم أكن أسأل سوى على الإكس لارج لأن المتوفر في السوق المحلي يناسب غالبًا أحجام السكان المحليين.
و لعل الغريب في المولات هو وجود محلات لملابس الشواذ، ووجود أقسام لهم في المحلات الكبرى فعدد الشواذ هناك لا يمكن تجاهله خاصة من الرجال المنتشرين بصورة كبيرة، و غريبة في كل الوظائف والشوارع فتقابلهم كثيرًا و في كل مكان، لدرجة تشعرك أن عدد الشواذ من الرجال اكثر من عدد الطبيعيين وهو شيء يدفعك لتبتسم عندما ترى رجل تايلاندي طبيعي كنوع من التحية لتمسكه بموقفه....إنه حقًا عالمًا عجيبًا!
أرخص شيء على الإطلاق هي المأكولات الجاهزة فلديهم أصناف عديدة، ولكن أغلبها آسيوي لم يحظ بإعجابي نظرًا لرائحته الغريبة على أنفي و ألوانه الغير مشجعه... و لكن بعضها شهي كالقواقع بالبشاميل، والجمبري المحشي سمك و سبيط... المطاعم العالمية كماكدونالدز و كنتاكى يقدموا نفس الأطعمة المعتادة، ولكن بأسعار زهيدة جدًا مقارنه بما إعتدنا عليه، فبأقل من ما يعادل دولار واحد تستطيع شراء وجبة قيمة.
أما عن أكثر ما لفت نظري في الشعب التايلاندى، أن غالبية الشعب يتميز بالرشاقة بغض النظر عن العمر، و قد بدا لي هذا مدهشًا في البداية إلى أن اكتشفت السبب وهو ببساطة ناتج عن أن الأكلة الشعبية، والأرخص على الإطلاق هي الأسماك، فتجدها جاهزة في كل مكان حتى مع الباعة الجائلين في الشوارع، وهي ما تتغذى عليه الأغلبية الفقيرة هنا.
و بالرغم من الفقر إلا أن الشعب مقبل على الحياة و شديد الترحاب بالسياح، فهو دائم الإبتسام خاصة أنها قد تكون اللغة الوحيدة مع بعض الإشارات اليدوية التي تمكنهم من التواصل فقلمًا تجد من يتحدث الإنجليزية خاصة وأن موظفو المطار والفنادق يتحدثوا إنجليزية ركيكة جدًا إلا فيما ندر.
أكثر ما أعجبني، أن بالرغم من تحرر الشعب وخاصة النساء في الملابس، لكن لا توجد هناك أي تحرشات أو حتى معاكسات لفظية، فالشوارع أمان وفي أي وقت لدرجة أنه من العادي أن تجد بائعة متجولة ترتدي شورت و تى شيرت كات دون أن يضايقها، أو حتى ينظر لجسدها أحد. لقد اثبت لي البوذيين الفقراء أنهم يتعاملوا كبشر يتمتعوا بالأدب والرقى والتحضر لا كحيوانات عشوائية شرهة، تتربص بالمرأه كي تتحرش بها؛ لأن شعرها ووجها وعطرها و صوتها وربما مشيتها تثيرهم، كما هو الحال في بلاد الدين و التدين و التقوى و الإيمان أو من يتظاهرون بذلك على نطاق واسع ثم يتحرشون على نطاق أوسع.
ما علينا بلاش غم و خلينا في تايلاند أحسن......هناك حي عربي وبعض الشوارع تحمل صبغه شرقية، و ترفع محلاتها لافتات مكتوبة باللغه العربية إلى جانب مطاعم الحسين و الأهرام و الفردوس و مشاوي لبنان و رأس الخيمة، هناك أيضا المساج أو التدليك منتشر أكثر من البشر أنفسهم، وبمختلف الأسعار حيث يحمل بعضهم لافتات دعائية في الشوارع بها أسعار تنافسية لتدليك أجزاء الجسم وبها بعض العروض الترويجية، كأن تدفع ثمن تدليك الرقبة وتحصل على تدليك القدمين مجانًا، وإن وافق الزبون يصطحبه حامل اللافتة للمكان المخصص وهو غالبًا يكون عبارة عن محل ترى من زجاجه الأمامي عملية التدليك للزبائن الكرام وكأن تلك وسيلة دعاية أخرى للمحل. هناك أيضا من إبتكروا التدليك بنوع خاص من أسماك الزينة حيث يضع الزبون القدمين في حوض ضخم، وتقوم الأسماك الصغيرة بعملها من تدليك وإزالة الجلد الميت، أو هذا ما تؤكده اللافته الإعلانية الضخمة بجوار حوض السمك.
الدعارة تجارة علنية، و مرخصة، ولها مواعيد عمل، وشوارع مخصصة، وقوادين ينادوا على البضاعة و يشرحوا مميزاتها و يفاصلوا في أسعارها!..... لا أنكر أنني أصبت بالاشمئزاز من هذا المنظر خاصة وأنا أرى العرب المتهافتين، وحمدت ربنا أن دولنا العربية لا يوجد بها نفس فجاجة هذا المشهد الذي يجعل من الدعارة سلعة ترفيهية تقام لها الاحتفالات والمهرجانات.
كانت تلك بعض من مشاهداتي في بانكوك عاصمة تايلاند حيث عالم مختلف، و حياة تمتزج فيها البساطة بالفقر بالسعادة!
اضغط هنا للتكبير