بقلم: القس. سامي بشارة جيد
كلمة من حرفين (حاء-باء) تربط اثنين برباط من حرير واساور من ذهب لا تقوي الجيوش الجرارة ولا العروش الجبارة علي كسره اوانزاله من علي سطح القلوب قدسه الاغريق وجعلوه الها وعبدوه الكافر مع الفاجر والطاهر مع القديس, فكم من امير تخلي عن امارته كملك اسبانيا وكم سلطان تنازل عن سلطته ليطيع سلطان المشاعر وكم من اميرة كديانا تركت مملكتها لتملك حبيب القلب علي عرش قلبها وكم من حروب اشتعلت بامر الحب كالحملات المسماه صليبية وكم من غزوات بدات باسم الحب كالفتوحات الاسلامية وكم طبع تزلل بقوة الحب وكم من نفوس هانت فمات اصحابها من قسوة الحب مثل روميو وجيوليت وكم من دماء ازهقت تحت رايات الحب بسبب انطونيوا وكليوباترا. فكم عدد النفوس التي قتلت في الحروب الدينية وكم عدد الناس الذين هلكوا باسم الشعارات الايمانية وكم من ملايين ابيدت في المحارق العرقية كالهولوكوست وكم من شباب يهلكون يوميا بسبب القضية الفلسطينية وكم من امراض شفيت بقوة الحب فقد كان السيد المسيح يشفي بالحب اذ كان يجول يصنع الخير ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس لقد اخلي نفسة اخذا صورة العبد واطاع حتي الموت موت الصليب لانه احب. وكم من بلاء حل من لعنة الحب, فقد ابتلي شمشون بالحب فصار يدير الساقية كالثور وهدم المعبد عليه وعلي اعدائه وابتلي حنانيا وامراته بحب المال والتفاخر فماتا كلاهما وابتلي يهوذا الاسخريوطي بحب المال والمنصب فخان وباع سيده واخيرا شنق نفسه وابتلي سليمان الملك والحكيم بحب النساء فاملن قلبه عن الله. واحب الملك هيرودس عرشه فقتل الاف الاطفال الابرياء لما قيل له قد ولد ملك غيرك. لقد عشق شخص اسمه نرجس صورته المنعكسه علي ماء النهر وعشقها فمات غريقا. احب يسوع لعازر فاقامه من الموت واحب المجدلية فصارت تلميذة واحب السامرية فتحولت مبشرة. واحب الكنيسة فاسلم نفسه من اجلها...فمن انت ايها الحب؟ هل انت نعمة ام نقمة؟ هل انت بركة او تهلكة؟ هل انت حقيقة او سراب؟ هل انت عقل ام قلب؟
يقولون ان سبب تسمية القلب بهذا الاسم لانه متقلب فجزء منه يحمل دما نقيا محملا بالاكسجين واخر يحمل دما محملا بثاني اكسيد الكربون لذا فهو يحمل كلا النقيضين الموت والحياة الحب والكراهية. واول امر يلفت الكتاب المقدس انتباهنا اليه هو مسالة:

1-التوقيت:
ففي سفر الجامعة الاصحاح الثالث "لكل شيء زمان, ولكل امر تحت السماوات وقت: للحب وقت وللبغضة وقت... صنع الكل حسنا في وقته, وايضا جعل الابدية في قلبهم, التي بلاها لا يدرك الانسان العمل الذي يعمله الله من البداية الي النهاية." فالحب الناضج باتي في الوقت الملائم فلا ينجح الحب مع المذاكرة ولا يتناسب الحب مع كوني بلا عمل ولا يليق الحب مع التسلية بمشاعر الاخرين. فالانسان الناضح يعرف ان المشاعر لها وقتها داخل السور الذهبي (دبلة الارتباط) ومن خلال القفص اذهبي (عش الزوجية) والاحتفاظ بمشاعري مقدسة ومخصصة وكاملة للانسان الذي سوف ارتبط معة بعهد ابدي حتي يكون الحب بحق حفنة نجوم نثرت في الارض او كما قال شاعر الحب والمراة نزار قباني:
الحب في الارض بعض من تخيلنا                  فان لم نجده عليها لاخترعناه
التوقيت مرتبط بالنضج والنضج لايتوقف علي السن لكن يتوقف علي الخبرة والممارسة في الحياة في مختلف المستويات. والتوقيت مرتبط بالظروف الاجتماعية من اعداد المسكن ومستلزمات المعيشة واعالة الطرف الاخر ورعاية الاولاد. ومستوي التعليم يحدد الوقت المناسب للارتباط وايضا الحالة العامة للمجتمع من حيث تفشي البطالة او وجود فرص للعمل. فنحن نحتاج الي الحب ونحتاج الي تحقيق الذات وتحقيق الذات مرتبط بالحياة العملية ووجود هدف للحياة. والاحساس بالامان مرتبط بوجود امور ثابتة نرتكز عليها فليس بالخبز وحدة يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. والتوقيت يعني الاحساس وتقدير المسؤلية تجاه من نحب ومن نريد ان نسعدهم بمحنتنا ومحبتنا ليست بالكلام او اللسان بل بالحق والعمل. التوقيت المناسب يعطينا فرصة لكي نخرج افضل ما فينا لنقدمه للاخر.

2-المعني:
هل الانسان كائن مفكر او هو كتلة من المشاعر؟ لقد خلق الله الانسان علي صورته ومثاله في البر وقداسة الحق, الله كلي الحكمة فهو كائن عاقل عادل مفكر وهو ايضا محب اب رحيم وهنا نتوقف عند كلمة التطرف وايضا عند كلمة التوازن. فالتطرف يعني التركيز علي اتجاه واحد سواء العقلانية المفرطة فنصير مجرد تروس في الة المدنية الحديثة ونفقد انسانيتنا وتموت فينا مشاعرنا ومعها قلوبنا واما نغرق في طوفان المشاعر وخدر العواطف فنفقد عقولنا وارادتنا ونصير اسري مضخة من الياف وقبضة علي شكل يد مقبوضة تاخذنا الي عنان السماء نعانق النجوم ثم تسقطنا الي عمق اعماق الهاويه بلا اجنحة وبلا جاذبية تحدد ارتفاعنا وسقوطنا فهوي حطام انسان او بقايا بشر. والتوازن هو الدرس الذي نظل طول عمرنا وان لم يكفي عمر واحد لنتعلمه, فالتوازن بين العقل والقلب هو ما يجعل الانسان متميزا متفردا عن اي كائن اخر وهو ما نقضي حياتنا حتي نستوعبه. والتوازن في الحب هو اشبه بالنار التي تذيب الثلج فهي ذات النار التي تحرق الجلد وتنشف البحار.المياه التي تحي الارض وتروى العطش هي ذات الماء التى تغرق وتميت.  
 فهمنا لضرورة التوازن ياتي من فهمنا لطبيعة الله فهو محب ولكنة عادل وهو حمل لكنه اسد وهو رحيم لكنة ديان هو محامي لكنه قاضي. والتوازن يعني ايضا فهمنا لذواتنا كبشر فنحن لسنا ملائكه ولسنا في ذات الوقت شياطين بل نحن حالة وسط نختار كل يوم وكل موقف ان نرتفع باجنحة الملائكة او ان نتهاوي بمكايد ابليس وعلينا ان نوازن بين نوازعنا ورغباتنا واهوائنا وبيين نسمة القدير والرغبة في الخلود والنزعة نحو الكمال التي هي مقاصد الهية وهبنا الله اياه بالخليقة الجديدة والطبيعة الجديدة والحياة الجديدة بيسوع المسيح الاله الكامل والانسان الكامل في طبيعتين الهية وبشرية لكي نكون مشابهين صورة ابنه. قال فاروق جويدة شاعر الشباب: اريد امراة احبها بقلبي واحترمها بعقلي فانا احب بعقلي وافكر بقلبي. المعني هنا جامعا مانعا ارادة ومشاعر.

3-التمايز:
تفرق اللغة اليونانية بين ثلاث افعال للتعبير عن العلاقات الانسانية فيما يخص المشاعر فالمحبة اجابي تعني محبة الله المنزهه عن اي مارب او منفعة فهي محبة العطاء بلا حدود والقبول غير المشروط والثبات غير النهائي فهي محبة ابدية لذلك فعلاقته بشعبه الكنيسة المجتمع المسئول "محبة ابدية احببتك من اجل ذلك ادمت لك الرحمة" و"هكذا احب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن يه بل تكون له الحياة الابدية" والمحبة فيلو اي محبة الصداقة اوالزمالة او محبة الوالدين والاخوة والاقرباء التي يحكمها الاخذ والعطاء وتبادل المنفعة وربما المصلحة فهي اما خالصة اوناقصة اوانانية كمحبة داود ليوناثان فهي صداقة صادقة.  والمحبة ايروس المحبة الزوجية بين الرجل والمراة داخل اطار الزواج وهي تحمل التفهم والاعتناء والقبول والرغبة والصداقة والمشاركة والمسؤلية وتربية الاولاد. لذلك يترك الرجل (والمراة) اباه وامه ويلتصق بامراته ويكون الاثنان جسدا واحدا. هناك ايضا الاختلاف بين الرجل والمراة في تعاطي اامحبة وانا افضل استخدام كلمة الحب وقصرها علي حب الله والمحبة علي العلاقات الانسانية لان حب الله كامل واكيد وثابت  فالله حب  God is Love ام محبتنا متغيرة وناقصة ونفعية براجماتية.
فالرجل مثل المصباح يضيء وينطفيء اما المراة فمثل المدفاة تشتعل ببطء وتنطفيء ببطء ايضا. الرجل عملي في حبه يميل الي الافعال والانجاز اما المراة فعاطفية تميل الي الكلام والاحتواء وهذان يكمل احدهما الاخر بشرط ان لا تطلب المراة من الرجل ان يصبح مثلها ولا الرجل من المراة ان تكون مثله فهنا التمايز.
  قصة الحب العجيب قد تجلت في الصليب               قد رواها لي حبيبي ساعة الصمت الرهيب
وهو مسحوق الفؤاد وهو مجروح الجبين            قد رواها لي حبيبي بالدم الغالي الثمين

4-الاختلاف:
احترت ااقدم باقة ورد حمراء للحب والمحبين ام اقدم كارت احمر كما في لغة الساحرة المستديرة كرة القدم وسبب الحيرة هو ما اراه من ثورة جنسية وطغيان عاطفي في شباب القرن الحادي والعشرين قرن الانترنت والمعلوماتية والاتصالات كتجلي من تجليات العولمة حيث البريد الالكتروني والفيس بوك واليوتيوب وايضا الروح السينمائية في التعاطي مع العلاقة بين الرجل والمراة وخاصة السينما العربية التي تصور الحب علي انه ذلك العالم المسحور المليء بالخدر والغيبية ورفض الواقع وحالة من تغيب العقل. فالوسادة مازالت خالية والجنة مازالت في غرام الافاعي وحتي الخيانة اصبحت مشروعة وما اجتمع رجل وامراة الا وثالثهما الشيطان. واصبح شعار الفتاة عند الارتباط "بحبه يابابا" وشعار الشاب "يادي ياهاموت نفسي". وكان المسيح لم يعلمنا كيف نحيا وكيف نحب وكيف نختار وكيف لا يتسلط علينا شيء وكيف يوافق اولا يوافق وكيف تبني ولا تبني علاقي بالاخر وعلاقتي بالمسيح. وهنا لابد من ان اكون مختلفا كشخص قبل المسيح مخلصا شخصيا وكشخص يسكن فيه الروح القدس وكشخص يعرف كلمة الله وكشخص يملك كل هذه الادوات ليعرف ارادة الله لعمله وارتباطه وحياته. فهل اصبح الحب الها في حياتنا كما كان احد الهه الاغريق ام اننا في المسيح مختلفون؟ فنحن نحب لانه احبنا اولا ونحن نحب علي طريقته وليس علي طريقة افلام السينما فالحب عطاء وبذل ومشاركة في اطار الطريق الصحيح الذي رسمه الله من لادم وحواء وتجلي في المسيح والكنيسة. فلنحب بالعقل والقلب والعين فلم يكن الحب الحقيقي ابدا اعمي. وليكن حبنا مختلفا ليكن حبنا ابداعا وانفتاحا علي الله وعلي انفسنا وعلي الاخرين. قال غاندي "مادامت روح الحب تهديني الي غايتي , فسوف يجري كل شيء علي ما يرام. اننا نستطيع ان نقهر العالم اجمع عن طريق الحق والحب. وقال ابوالعلاء المعري:
اقبل علي النفس فاستكمل فضائلها                   فانت بالنفس لا بالجسم انسان
فالحب طاقة ابداعية ومنحة سماوية وخبرة انسانية اذا جاء في المعياد المناسب مع الشخص المناسب في الظروف المناسبة وفق ارادة الله المقدسة في اطار القبول الاجتماعي ومباركة العائلة المسيحية حب يجعل لحياتنا معني ولوجودنا هدف يستوعب تنوعنا واختلافنا ويدعم تميزنا وتفردنا ,يقربنا من خالقنا ومن خليقته. فلا للطغيان العاطفي ولا لحب الشهوة ولا لحب الامتلاك لا للحب المجنون ونعم للحب المتعقل البصير الناضج ونعم لحب المسيح وحب في المسيح وحب  لمجد المسيح.


  انه حب
انه حب
 اني اعرفه
فكم فرحني بالحانه
وكم جرحني باشجانه
انه حب
جميل في اللقاء
ثقيل في الجفاء
متقلب كالهواء

انه حب
كم هزتني اوراقه
وكم هزمتني اشواقه
فهل ندرك اعماقه
انه حب
لفتاتي تقولها
نظراتي  ترددها
ابتساماتي واهاتي تغنيها وتؤكدها
انه حب
منعطفات دربي رقصات جنبي
دمعات عيني نبضات قلبي
انه حب فهل يصادق عقلي علي حبي؟
انه حب يسوع
حب يسوع جعلني انسان
حب يسوع خلاني فرحان
حب يسوع ملاني امان

القس:سامي بشارة جيد
ماجستير مسيحية الشرق الاوسط
pastorsamymg@yahoo.com