بقلم: جوزيف جرجس
أبعاد المشكلة
لقد عرضت في المقالة السابقة في الأسبوع الماضي تحت عنوان (أوربا والمهاجرين) والقضية القبطية عن الأسباب التي تدفعنا سواء كنّا نعيش في أوربا أو في خارجها للاهتمام بمشكلة المهاجرين في أوربا. وما هي علاقة هذه المشكلة بالقضية القبطية أو الأقباط.
فلقد كتبت في المقالة السابقة إن قضية المهاجرين في أوربا تشغل جميع الدول الأوربية، وأن كل الحكومات تحاول إيجاد حلول لها ولكن حتى الآن بدون أي نجاح ملموس، وقلنا أن المشكلة لها أطراف كثيرة فنجد المجتمع الأوربي نفسه -الحكومات الأوربية, الجاليات المهاجرة باختلافها وتنوعها الحضاري والثقافي والديني- أيضاً المسلمين والإسلام وكذلك الاتجاه اليميني المتطرف، كل من هذه الأطراف يتحمل جزء من المسئولية للوضع الذي نحن عليه الآن والوضع الذي يمكن أن نكون عليه في المستقبل وإن كان بدرجات متفاوتة.
مبدئياً يمكن للتبسيط أن نقول إن المشكلة لها طرفين: الجانب الأول هو المجتمع الأوربي (كمثال هنا المجتمع الألماني) وحكوماته والجانب الآخر هم المهاجرين أنفسهم وأبنائهم.
المجتمع الأوربي:
إن أوربا تختلف كثيراً عن دول الهجرة المعروفة مثل كندا, أمريكا.. وغيرها هذه الدول الحديثة نسبياً بناها وعمرها المهاجرين، فيمكن القول أن المهاجرين هم الذين صنعوا هذه الدول بالشكل التي هي عليها الآن، بشكل آخر يمكن أن نقول إن الغالبية 90 % أو أكثر من سكان هذه الدول هم من المهاجرين من دول مختلفة، وعلى ذلك فلا يستطيع مهاجر من أصل فرنسي مثلاً أن يدّعي أنه أمريكاني أكثر من مهاجر من أصل مصري فالكل أمريكيين والكل في الأصل مهاجرين، فلا أفضلية لهذا على ذاك إلا بعمله ومكانته في المجتمع، في أوربا الوضع يختلف.
فعلى عكس دول الهجرة الحديثة يمثل السكان الأصليين في أوروبا الغالبية العظمى المهاجرين يمثلون الأقلية في كل الدول الأوربية، الغالبية من المهاجرين نزحوا إلى أوربا بأعداد كبيرة للعمل والبحث عن مستوى اقتصادي أفضل في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في هذه الفترة جلبت الدول الأوربية مهاجرين من تركيا وغيرها من الدول للمساهمة في بناء اقتصادها وللحفاظ على مستوى عالي من الرفاهية لمواطنيها، الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين عملت في المصانع كعُمّال وحرفيين وكذلك في الأعمال الخدمية البسيطة مثل أعمال النظافة وغيرها، المجتمع الأوربي بأثره كان ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عمال ضيوف سيبقون بضعت سنوات للعمل وسيعودوا بعد ذلك إلى مواطنهم الأصلية فعاش الأغلبية من المهاجرين فيما بينهم ولم يهتم المجتمع الأوربي أو المهاجرين أنفسهم بمحاولة اندماجهم في المجتمعات التي عاشوا فيها، فالمهاجرين كانوا يقومون بالأعمال البدنية أو الوظائف الدنيا التي لا يقبل الأوربيين في ذلك الوقت القيام بها هؤلاء المهاجرين ساهموا في بناء الاقتصاد الأوربي بشكل أو بآخر.
لكن المهاجرين لم يعودوا إلى بلادهم، أعجبوا بجو الحرية والرفاهية الاقتصادية وإن كان لهم تحفظات عديدة على المجتمع الأوربي إلا أنهم اعتقدوا أنهم يستطيعوا أن يعيشوا دون أن يغيروا عاداتهم وأسلوب حياتهم وذلك بأن يتقوقعوا على أنفسهم بهدف حماية أجيالهم القادمة من العادات والتقاليد الأوربية التي يرفضوها هم بدرجات متفاوتة، لقد عاشوا المهاجرين في أوربا منذ ذلك الحين تزوجوا فيما بينهم وأنجبوا أطفالهم ولدوا في أوربا وتعلموا في مدارسها (وإن كان الغالبية منهم لم يصلوا إلى مستوى تعليمي مرتفع لأسباب يتحملها الطرفين) رغم هذا ورغم مرور عشرات السنين ظل المجتمع الأوربي أو الغالبية منهم ينظر إلى المهاجرين على أنهم ضيوف عمال وأبنائهم على أنهم أبناء العمال الضيوف.
إن المجتمع الأوربي والألماني لم يتغير حتى الآن، فالغالبية منهم مازالوا ينظرون إلى المهاجرين وأبنائهم من الجيل الثاني والثالث ورغم حصول كمية كبيرة منهم على جنسيات الدول التي يعيشوا بها على أنهم غرباء أو ضيوف في وطنهم الجديد.
صحيح إن الجميع متساويين أمام القانون في الحقوق والواجبات، صحيح أيضاً أن كل مهاجر يستطيع الحصول على حقوقه التي كفلها له القانون والدستور، صحيح إن النظام الديمقراطي وحجم الحرية المتاح يسمح في الغالب للجميع سواء مهاجرين أو من السكان الأصليين بالعمل وممارسة الأنشطة على حداً سواء، ولكن ما لم يصل إليه المهاجرين وأبنائهم في أوربا حتى الآن هو أن ينظر ويقبل ويعامل الألماني والأوربي المهاجرين وأبنائهم الذين ولدوا وتربوا في هذه البلد ويحملون جنسيتها على أنهم ألمان وأوربيين رغم اختلاف لون بشرتهم أو لون عيونهم أو ديانتهم، إن هذه المشكلة ليست فقط للأتراك أو القادمين من الشرق الوسط أو أسيا ولكنها أيضاً مشكلة للمهاجرين من أوربا الشرقية أو روسيا وغيرها من الدول وإن كان بدرجات متفاوتة بحكم تقارب المظهر والعادات والتقاليد.
إن أبناء المهاجرين وأبنائي لهم الحق أن يعاملوا وأن ينظر لهم كمواطنين ألمان وأوربيين مثلهم مثل أبناء السكان الأصليين وذلك بغض النظر عن لون بشرتهم واختلاف عاداتهم أو ديانتهم، نعم فبرغم من أني مسيحي إلا أني أطالب بنفس الشيء للمسلمين أيضاً.
عرض المشكلة يصبح ناقصاً إذا وقفنا عند هذا الحد، فالطرف الآخر للمشكلة وهم المهاجرين أنفسهم وأبنائهم يتحملون أيضاً المسئولية للوضع الذي نحن عليه الآن أو الوضع الذي يمكن أن نكون عليه في المستقبل، وهنا نتناول الطرف الآخر من المشكلة ودوره ومسئوليته.
المهاجرين وأبنائهم:
إننا لا نستطيع أن نتكلم عن المهاجرين كما لو كانوا وحدة واحدة، فهم متنوعون حضارياً وثقافياً ودينياً وكل مجموعة تلعب دورها وتتحمل مسئوليتها.
أما هي أهم المكونات العرقية الثقافية والدينية للمهاجرين وما هو مسئولية كل طرف؟؟ وأي دور يلعبه الإسلام في المشكلة؟؟ وما موقف المسلمين على اختلافهم؟ وما هو موقف غير المسلمين من المهاجرين؟ وما هو دورهم ومسئوليتهم؟
كل هذا سأحاول الإجابة عليه عزيزي القارئ إذا رغبت في المقالات القادمة فإلى الأسبوع القادم.
وإلى لقاء..