الأقباط متحدون - هل حزنت روسيا على مرسى ؟
أخر تحديث ٠٨:٠٤ | الأحد ٢٨ يوليو ٢٠١٣ | ٢١ أبيب ١٧٢٩ ش | العدد ٣٢٠١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

هل حزنت روسيا على مرسى ؟

 «موسكو لا تعرف الدموع» اسم فيلم شهير، اختاره مسئول روسى سابق التقيته الأسبوع الماضى، ليرد على سؤالى الذى جعلته عنوانا لهذا المقال.

 
لا أخفى أننى كنت أتوقع تلك الإجابة، إنطلاقا من يقين ترسخ لدى خلال سنوات طويلة من الحياة فى روسيا، مفاده أن موسكو بوتين ليست موسكو بريجنيف وخورتشوف..لغة المصالح السائدة حالياَ، دفنت إلى الأبد شعارات الأممية والصداقة والحب العذرى !
 
سألت مستنكراً: ألم تشعروا بشىء من السعادة وأنتم تسمعون الرئيس المصرى حينها محمد مرسى يعلن أمام بوتين تأييده للموقف الروسى تجاه الأزمة السورية؟ ألم تعتبروه نصرا دبلوماسيا أن يصدر ذلك عن رئيس بلد محورى فى الشرق الأوسط، فى ظل الانتقادات القوية التى توجه إليكم بسبب دعمكم بشار الأسد بلا حدود ؟ لماذا تركتموه ينقلب تماماً ويترك موقعه كطالب للقرب الروسى؟!
 
أجابنى على الفور: لم نشعر بأى سعادة إطلاقاً !.. كنا نلمس ارتباك القيادة المصرية الجديدة ولم نأخذ ما قاله مرسى فى منتجع سوتشى على محمل الجد، وقد صدقت حساباتنا !
 
كان الرجل يبدو مقتنعا بما يقول، أعاد على سمعى تفاصيل لم تعد سراً حول زيارة مرسى إلى سوتشى على البحر الأسود ولقائه مع بوتين فى أبريل الماضى.
 
• استطرد بلهجة ساخرة : يبدو أن رئيسكم السابق جاءته فكرة الزيارة بشكل مفاجىء، وأراد تنفيذها من دون تحضير كاف، إذ كان من البديهى أن تحظى هذه الزيارة الأولى من نوعها بعد ثورة 25 يناير بتجهيزات خاصة،كى تأتى على المستوى المرجو مثلما كان حال زيارات عبد الناصر والسادات ومبارك!
 
فى الإعلام الإخوانى وصفت الزيارة بالرسمية والتاريخية،رغم أنها فى الواقع كانت زيارة عمل، استقبلَ مرسى فى مطار سوتشى عمدةُ المدينة، بل لم يكلف بوتين نفسه إرسال محافظ إقليم (كراسنادار) أو حتى وزير شئون الغابات !)
 
فى اليوم التالى كتبت صحيفة (كوميرسانت ) القريبة من كواليس الكرملين تقول : ( زعيم مصر الجديد مُكلِفٌ لروسيا ) وفى التفاصيل كشفت أن مرسى جاء يطلب قرضاً قيمته 3 مليارات دولار بالإضافة إلى كميات كبيرة من القمح وزيت الذرة، ونقلت الصحيفة تقييم وزير الزراعة الروسى الذى حضر المباحثات عن شخصية مرسى بقوله : لا يمنحك هذا الرجل انطباعاً بأنه حكيم !، فيما شكك وزير آخر فى إمكانية استمرار الرئيس المصرى وجماعته فى الحكم فترة طويلة !.. حتى اليوم لم يعرف بعد ماذا فعل الضيوف وماذا قالوا ليكون رد فعل وزيرين روسيين على هذا النحو!
 
المؤكد هو دهشة الروس أن يطرح مرسى موضوع القرض بهذه الطريقة ( البلدى )..كانوا يعتقدون أن قضايا مشابهة لا تناقش أثناء المباحثات الثنائية بين الرئيسين إلا بعد الاتفاق شبه الكامل عليها فى وقت سابق، وفقا للأعراف الدبلوماسية المتبعة فى جميع دول العالم!
 
فى النهاية لم يشفع لمرسى ثناؤه على بوتين ومدحه الموقف الروسى تجاه سوريا، حيث عاد إلى المحروسة خالى اليدين إلا من استنشاق هواء البحر الأسود العليل، وشرب كوب من الشاى على الطريقة الروسية !.. لم يطرأ بعد الزيارة جديدٌ على العلاقات، وكأن الروس لم يتعجلوا دوران عجلة التعاون مع نظام يبدو مرتبكاً فى سياساته الداخلية والخارجية.
 
حتى فيما يتعلق بمساعى مرسى وإخوانه منذ وصولهم للحكم، لشطب جماعة الإخوان المسلمين من قائمة الجماعات الإرهابية حسب القانون الروسى، لم يُظهر بوتين حماساً لتلبيته، لسببين:
 
أولاً: خشية القادة الروس من تمدد علاقات الإخوان مع مثيلاتها من الجماعات المتطرفة ( حسب القانون الروسى ) لا سيما فى جمهوريات وأقاليم القوقاز، حيث ما زالت القوات الروسية تخوض معارك مع جيوب لتلك الجماعات التى تهدف لإقامة جمهورية إسلامية فى الجنوب الروسى.
 
ثانياً: رصد موسكو كغيرها من العواصم تنامى مشاعر التوتر داخل المجتمع المصرى بسبب سياسة الإقصاء والتخوين والتهديد التى اتبعها مرسى ضد معارضى الإخوان بعد إعلانه الدستورى الشهير، وقلق روسيا مما تعتبره مضايقات للأقباط من قبل جماعات حليفة للإخوان وهو ما فسره الكرملين بأن الأمور لم تحسم تماما لصالح أبناء وأحفاد حسن البنا !.
 
المدهش أنه لم يمر سوى أقل من شهرين على زيارة مرسى (الفريدة ) لروسيا، حتى انقلب موقفه إلى النقيض تماماً بشأن الأزمة السورية. تحول الرئيس المصرى من داعم لبوتين حليفِ الأسد، إلى داعٍ لفتح باب الجهاد ضد الأسد ذاته !، وبالطبع لم يفت أحدأً أن هذا التطور جاء مباشرة بعد تلميح الإدارة الأمريكية عزمها تسليح المعارضة السورية!
 
عند هذه النقطة علَّق مضيفى : مرسى كان يبدو هاوياً الأمر الذى استشعرته موسكو منذ البداية، مما جعلها حذرة تجاه كل الإشارات الصادرة عن حكام مصر الجدد آنذاك، باستعدادهم تقديم أى شىء !.. كانت قناعتنا راسخة بشأن الدعم الأمريكى الذى أوصل الإخوان لحكم مصر، وارتماء الجماعة فى أحضان واشنطن قبل ذلك بكثير، لذا قوبلت تلميحات وتصريحات واتصالات الإخوان بقدر كبير من التحفظ !
 
طيلة الأيام الماضية جرت اتصالات بين موسكو والقاهرة،
 
وصدرت تصريحات عن وزارة الخارجية الروسية باستعداد موسكو إمداد مصر بما تحتاج من مساعدات، بما فى ذلك القمح الذى اعتذرت عن توريده عندما طلب مرسى ذلك من بوتين!.. لفتةٌ مميزةٌ من الروس، حتى لو وُضِعت فى إطار محاولة منهم للاستفادة من وجود نظام حكم جديد، لم يرتم كنظام الإخوان فى أحضان الأمريكان..على الأقل حتى الآن !
 
كان الرئيس المصرى الراحل أنور السادات لا يتعب من ترديد أن 99% من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط بيد أمريكا، وعلى النهج نفسه سار مبارك ثلاثين عاما، وعندما فكر مرسى المحاط مع جماعته برعاية البيت الأبيض فى طرق باب الروس، فعل ذلك كقروى ساذج، لا كحاكم لأكبر البلدان العربية، فعلها ولسان حاله يقول لبوتين: نحن مستعدون للرقص على خلفية أى لحن موسيقى، إن كنتم جاهزون للدفع !
 
ربما يمثل ذلك تجربة جيدة لحكام مصر الجدد، إن أرادوا الاستفادة من أخطاء السادات ومبارك ومرسى الذين وضعوا على مدى سنين طويلة كل البيض فى السلة الأمريكية.
نقلا عن الشروق

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع