الأقباط متحدون - الأنبا مكاريوس : الراهب صليب الصموئيلي نموذًجا رهبانيًا هامًا
  • ١٠:٠١
  • الاثنين , ٥ ديسمبر ٢٠١٦
English version

الأنبا مكاريوس : الراهب صليب الصموئيلي نموذًجا رهبانيًا هامًا

محرر المنيا

أقباط مصر | الأنبا مكاريوس, أقباط المنيا,

٥٣: ٠٢ م +03:00 EEST

الاثنين ٥ ديسمبر ٢٠١٦

 نيافة الانبا مكاريوس اسقف المنيا العام
نيافة الانبا مكاريوس اسقف المنيا العام
محرر المنيا 
قال نيافة الانبا مكاريوس اسقف المنيا العام الراهب صليب الصموئيلي ما زلت أتذكره بصوته الأجش والذي يحمل صرامة البرية والحياة النسكية، أمّا من جهة ثيابه فقد كان يرتدي قطعة واحدة فقط، وكانت ثيابه قصيرة وبأكمام قصيرة، يشد وسطه من الخارج دائمًا بحبل من الليف، وكانت عادة الرهبان قديمًا التمنطق بالمنطقة -وكانت من الجلد في العادة- فوق الثياب، وكانوا يعلقون فيها نوتة وقلمًا لكي يسجلوا أفكارهم ويدونوا ما يسمعون من كلمات منفعة. وكان يحمل دائمًا في يدة عصا غليظة كعادة شيوخ الرهبنة الذين يحملون تلك "الشبوتة" (من اشفوت القبطية وتعني عصا، مثل تلك المذكورة في سيرة القديس أنطونيوس والتي سلمها للقديس مكاريوس علامة مسئولية التدبير الرهباني). وكانت قلايته لا تحتوي إلا على عن قطعة من اللباد فوق حصير متواضع، وبطانية رصاصي من النوع البسيط، ولم يكن بها كرسي أو منضدة أو حتى لمبة للإنارة!
 
كما لم يكن يحتفظ من الكتب الا بالكتاب المقدس وحده، وكان من عادته أن ينادي على أي راهب يمرّ به ليقرأ له الكتاب المقدس، وكان يعلق على القراءة كما كان يصحّح للقارئ إذا أخطأ النطق أو التشكيل، مثلما اعتاد أن يفعل ذلك في الكنيسة أثناء القراءات. العجيب أنه كان أُمِّيًا مثلما كان أمميًا، فهو لا يعرف القراءة، وعندما رسموه قسًا استطاع بشق الأنفس أن يحفظ -عن ظهر قلب- أوشية الإنجيل والمجمع، وهي الأجزاء التي كان يصليها كلما اشترك في القداس الإلهي، وبالطبع لم يستلم الذبيحة ولم يصلِّ قداسًا بمفرده حتى تنيح.
 
وأمّا عن نومه فقد كان يقضي أغلب ساعات نومه فوق الرمال في الجبل، وأحيانًا تحت مقطورة قديمة اتقاءً لحرّ الصيف، حتى أنه تعرض للدغ حية ذات يوم، وقام المتنيح القمص متى المسكين -وكان مقيمًا بالدير حينئذ- بعلاجه في ذلك الوقت. 
 
وبالنسبة لطعامه فقد اعتاد أن يتناول ما يفيض عن الرهبان بعد أن ينتهوا من طعامهم، واعتدنا أن نراه يدخل بهدوء إلى المائدة ليجمع الكسر في كيس صغير وبقايا الطعام التي يمكن حفظها ليوم أو أكثر (مثل الخيار أو الطماطم أو البطاطس أو ما يفضل من بعض الفاكهة وكانت نادرة في ذلك الوقت). أتذكر أنه عندما كنا نجتمع لتجهيز الخضار للطبخ كان يحمل ما نلقيه في القمامة ليستخلص منه ما يمكن أن يؤكل، وكان يردّد أن كل شيء أخضر له قيمته في البرية، وأننا سنُدان عن أي شيء نافع يمكن فقده.
 
روى بنفسه ذات مرة أنه عندما تأخرت القافلة التي كانت تحمل احتياجات الدير على الجمال، نفذ الدقيق من الدير ولم يكن هناك خبز، ومن ثَمّ قام الآباء بجمع الكسر الملقاة في بعض الأماكن وبجوار الحوائط، وغسلوها بالماء وتناولوا منها طعامهم ثم جفّفوا ما فضل للوجبات التالية، حتى وصلت القافلة من جديد ومعها الدقيق ضمن أشياء أخرى. كما روى لي أنهم عندما كانوا يعدون العدس، كانوا يضعون قدرًا قليلًا منه في إناء كبير من الماء "مجرد لون أصفر باهت"، وكانوا يعتبرون ذلك نوعًا من الترفيه.
 
كان الراهب صليب غير مسيحي في الأصل، وكان يعمل خادمًا لدى أسرة مسيحية في المنيا، وتأثر كثيرًا بمعاملتهم الطيبة له، فما كان منه إلا أن تنصر وقد فعل ذلك بمحض إرادته، بل وترهب! وكان لا يخجل أن يردّد كل يوم أنه أُممي، وأن المسيح أنعم عليه بهذا الشرف، وكان يعاتبنا بأننا قائمون في خير لا نعرف قدره. كان محبوبًا جدًا من الآباء، وكان الآباء يعتبرونه أحد حراس الرهبنة في الدير، وكانوا يتحلّقون حوله باستمرار يحادثونه، وكان متضعًا ودودًا رغم ما يبدو عليه من خشونة ظاهرة. عاني من أمراض القلب في سنواته الأخيرة، وكان يهتم بعلاجه طبيب تقي مشهور في مغاغة يُدعى "دكتور هنري"، وتنيح في ثمانينات القرن الماضي... وما يزال نموذًجا رهبانيًا هامًا.
الكلمات المتعلقة