«من منا بلا خطيئة التعدي على حيوان» فكثيرون منا يعطون لأنفسهم الحق لنفسه في ارتكاب جريمة، بل جرائم، بحق الحيوانات الضالة في الشارع، دون أي اعتبار للجهات المختصة بالأمر، ويتجاهل قطاع عريض من المواطنين أن التعدي على الحيوان جريمة يعاقب عليها القانون، وتصل عقوبتها إلى السجن لمدة ليست قليلة، والغرامة المالية فى بعض الأحيان. 

الشرع ذاته، حرم مسألة التعدي على الحيوان من خلال التأصيل لذلك الأمر ممثلاَ فى تحريم حبس الحيوان وتجويعه، وفي ذلك يقول الرسول: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ؛ لَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَسْقِهَا، وَلَمْ تَتْرُكْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ»، وروى سهل ابن الحنظلية قال: مرَّ رسول الله ببعير قد لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ، فقال: «اتَّقُوا اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً».

«صوت الأمة» رصدت في التقرير عقوبة قاتل الحيوان، و نصوص قانون العقوبات، وموقف قانون البيئة من هذا الأمر، وكذا قانون الزراعة-بحسب المحامى بالنقض والخبير القانوني ياسر سيد أحمد.

حماية الحيوان في ضوء أحكام محكمة النقض

الموجز:

جريمة الإضرار بالحيوان ضررا كبيرا تحقق نتيجة الفعل بوقوع ضرر كبير، ركن لازم لقيامها الشروع في تلك الجريمة غير متصور .

القاعدة:
جريمة الإضرار بالحيوان ضررا كبيرا لا يتصور فيها الشروع، لأن تحقق نتيجة الفعل بوقوع ضرر كبير ركن لازم لقيامها، و لما كان الحكم قد اعتبر ما وقع من المتهم شروعا في تلك الجريمة دون أن يعني في مدوناته ببيان مدي الضرر الذي لحق الدابة من جراء إصابتها، مما لا يتيسر معه لمحكمة النقض مراقبة تطبيق القانون تطبيقا صحيحا علي الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، ومن ثم فان الحكم المطعون فيه يكون معيبا بما يبطله ويستوجب نقضه والإحالة .

«المادة 355 عقوبات»
( الطعن رقم 1104 لسنة 37 ق جلسة 1967/10/9 س 18 ص929 )

حماية الحيوان فى ظل الدين والقانون
وفقاَ لـ«أحمد» فقد سن الإنسان التشريعات الخاصة بضمان حقوقه، وأقام المحاكم وكانت مهنة المحاماة، ولم يغفل الإنسان أن يضمن للكائنات الحية والحيوانات حقوقها في المعاملات، ولا شك أن النظم القانونية لدى أي مجتمع معين وفى عصر معين ليست وليدة مجرد حادثة عرضية، أدت إليها المصادفة، أو نتيجة مجرد نزعة طارئة، وإنما هي وليدة الظروف، ونتيجة العوامل المتعددة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفلسفية وغيرها، ومن ثم فإن القانون وضع لتنظيم حياة الناس بصدد موضوع معين والقانون هو مجموعة من القواعد العامة المجردة التي تنظم سلوك الإنسان فى المجتمع وتتضمن جزاء ماديا حالا يوقع ضد من يخالفها.

فى العصور السابقة-بحسب «أحمد»- كان يتم حماية الحيوانات على أساس نفعها للإنسان، إلا أن حماية الحيوان تلك القائمة على نفعه للإنسان، قد تطورت فى العقود الأخيرة إلى ما يسمى بحماية الحيوان على أساس أخلاقي - فلم تعد حماية الحيوانات تتم على أساس فائدتها الاقتصادية فقط، بل أصبح ينظر إليها على أنها كائنات مخلوقة، فالحيوان ليس جمادا، بل هو كائن حي يمكن أن يشعر بالآلام والمعاناة . 

وقد أدرك الإنسان أنه ليس فقط صاحب حقوق تجاه الحيوان، بل إن عليه أيضا التزاما أخلاقيا تجاهه، وانطلاقا من هذا الالتزام من الإنسان تجاه الحيوان، ككائن تم وضع مشروع هذا القانون والذي يضم من ناحية حق الحيوانات في حياة يتمتع خلالها بالصحة والسلامة وعدم التعرض للأذى أو المعاناة، ومن ناحية أخرى مصالح الإنسان والإمكانات المختلفة لمراعاتها .

إذا ألقينا نظرة سريعة عبر العصور نجد أن القسوة علي الحيوانات كانت ومازالت موجودة في أشكال مختلفة فالحيوانات مازالت تقتل وتصاد بالمصائد والكمائن والأشياء الأخرى التي يستخدمها الأثرياء للزينة بالإضافة إلي القسوة المتناهية التي يسببها الناس للحيوانات- فلازلنا نعاني من رؤية القتل والقسوة والعنف ضد الحيوانات سواء في الدواب أو الحيوانات الأليفة والتي لا يبررها دين أو أخلاق إنسانية أو حضارية والتي تسبب أذي لكل من يراها-حسب «أحمد» .

لقد حاولت كل الديانات بطرقها المختلفة تحقيق التوازن العادل بشأن الحقوق والواجبات المتبادلة بين الإنسان وبقية المخلوقات، وقد تضمنت جميع الكتب السماوية عقوبات لجميع أعمال القسوة ضد الحيوانات ولكن هذه العقوبات لم يعد ينظر إليها بجدية سواء من جانب علماء الدين أو العامة، ويؤكد كل من الدين والعلم أن الإنسان هو قمة الخلق – فالعلم يبني تأكيده علي تفوق الإنسان النفس علي بقية المخلوقات الحيوانية بينما يبني الدين تأكيده علي تفوق الإنسان في القدرة الروحية والفعلية علي الحيوانات والإسلام أيضا أعلن أن الإنسان هو أفضل مخلوقات الله سبحانه وتعالي ووصفه بأنه خليفة الله علي الأرض .

ومما لا شك فيه أن الدين الإسلامي به قواعد محددة تخص العناية والرفق بالحيوان- وقد نص علي أنه يجب أن نكون رحماء بكل مخلوقات الله وأن هذه المخلوقات الحية مثل الإنسان لها أحساس وتشعر بالألم والخوف والحب، والدين الإسلامي دين الرحمة والرأفة قال تعالي ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) وقال تعالي ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ) .

وقد توعد الله بالعذاب من يتعرض للحيوانات بالأذى، كما حرم الله سبحانه وتعالي قطع أي جزء من الحيوانات وهي حية فقال تعالي ( وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مقروضا ولأضلنهم ولأمنينهم، ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذا الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) .

فقد لعن الله من يشوه الحيوان بقطع أذنه إيذاء له وتشويها لخلقته وبين أن ذلك من عمل الشيطان ووصف من يتبعه بالخسران المبين وفي ذلك من الدلالة علي التحريم ما لا يخفي، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( ومن رحم ولو ذبيحة عصفور رحمة الله يوم القيامة )

وقد نهي وحرم الإسلام إحداث الألم الجسدي للحيوانات .
( فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال مر النبي صلي الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجهة تدخن منخراه فقال النبي صلي الله عليه وسلم : لعن الله من فعل هذا لا يسمن أحدكم الوجه ولا يضربن الوجه).

أمر الإسلام مالك الحيوان برعايته والإنفاق عليه وعدم إيذائه بل إنه وضع علي عاتق كل إنسان عدم اتخاذ موقف سلبي من حيوان يتضرر أمامه ولا يدفع عنه الأذى .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( بينما رجل يمشي بطريق أشتد عليه الحر فوجد بئرا فنزل فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثري من العطش فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقي الكلب فشكر الله له فقالوا يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا فقال : في كل كبد رطبه أجرا ) وفي رواية ( فشكر الله له فأدخله الجنة )

التشريعات الخاصة بالحيوانات
1- قانون العقوبات

2 - قانون البيئة

3- قانون الزراعة

تنص المادة 355 على أنه:

يعاقب بالحبس مع الشغل:

 أولا: كل من قتل عمدا بدون مقتضى حيوانا من دواب الركوب أو الجر أو الحمل أو من أى نوع من أنواع المواشي أو أضر به ضررا كبيرا .

ثانيا: كل من سم حيوانا من الحيوانات المذكورة فى الفقرة السابقة أو سمكا من الأسماك الموجودة فى نهر أو ترعة أو مستنقع أو حوض, ويحوز جعل الجانين تحت ملاحظــة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر.

«وكل شروع فى الجرائم السالفة الذكر يعاقب عليها المادة السابقة ليلا تكون العقوبة الأشغـال الشاقة أو السجن بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنية ».

كما تنص المادة 357 على:
«يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنية كل من قتل عمدا بدون مقتضى أو سم حيوانا من الحيوانات المستأنسة غير الذكورة في المادة 355 أو أضر به ضررا كبيرا».

كما هو بين من المادة 355 أنها تعاقب بالحبس مع الشغل كل من قتل حيوان من دواب الركوب … الخ، والحبس هنا وجوبي بمعنى أن القانون لم يخير القاضي بين عقوبة الحبس أو الغرامة المالية- وإذا قدم متهم للمحاكمة بهذه التهمة فيجب على القاضي إنزال العقوبة المقررة للحبس مع الشغل وهى التى لا تزيد مدتها عن ثلاث سنوات و يشتغل بأحد السجون في الأعمال التي تعينها الحكومة.

وقد وفق المشرع فى النص على عقوبة الشروع فى ارتكاب هذه الجريمة وعاقب علية بالحبس مع الشغل أو الغرامة والشروع كما عرفته المادة 45 عقوبات هو البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة وإيقاف أثر الفعل أو خيبتة لأسباب غير راجعة إلى إرادة الجاني وهى عدم تمام الجريمة إذ أن التنفيذ لم يستمر حتى تمام إنما أوقف أو خاب، فالعقاب على الشروع قد يثنى الجاني عن ارتكاب الجريمة.

وعند صدور قانون العقوبات عام 1937 نص المشرع على تغليظ و تشديد العقاب على هذه الجريمة 1937 نظرا لما كان يقوم به بعض الفلاحين فى القرى والأرياف من قتل حيوانات الآخرين للانتقام.

وفى عام 1982 تم تعديل قانون العقوبات بإضافة المادة 357 والتى جرمت قتل أو الإضرار بالحيوانات المستأنسة التى لم تذكر فى المادة السابقة «والمفهوم من كلمة المستأنسة هى كل الحيوانات الأليفة أو الغير متوحشة أو التى تسبب ضررا للإنسان ويشمل هذا المفهوم القطط والكلاب بالإضافة إلى الدواب والركوب التى نصت عليهم المادة سالفة الذكر»، ونصت على عقوبة الحبس الذى لا يزيد مدته على ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنية.

«أحمد» يرى أنه كان من الأفضل أن تكون العقوبة هي الحبس الوجوبى دون الغرامة المالية حتى يؤتى العقاب ثمارة من التجريم، ولكن هناك رأى يفسر وجوب الحبس فى المادة 355 عنه فى المادة 357 أن الزمان الذى تم صدور التشريع فيه (1937) كثرت فيه حوادث قتل الفلاحين للحيوانات التي تستخدم فى الزراعة نتيجة المشاكل والخلافات التي تنشأ بينهم، ولكن هذا الرأي مردود عليه بأن الحفاظ على الثروة الحيوانية التي تستخدم في الزراعة يقابله الحفاظ على التوازن البيئي الذى خلقة الله عز وجل فى حالة قتل الحيوانات المستأنسة – دون مقتضى – بالإضافة إلى المظهر الحضاري والإنساني والإقتصادى الذي يظهر مصر بشكل يسيء إليها حضاريا ومن ناحية أخرى أن قتل الحيوانات المستأنسة والأليفة يتنافى مع الرحمة والرفق الذى نادت به كافة الأديان السماوية وخاصة الدين الإسلامي والأحاديث النبوية الصحيحة فكان يجب على المشرع النص على عقوبة الحبس دون الغرامة، ونرى أيضا أنه كان يجب أن تنص المادة على العقاب على الشروع أيضا نظرا لتساوى محل الجريمة فى المادتين وهى قتل أو الإضرار بالحيوان.

قانون البيئة:
لم يعطى قانون البيئة اهتماما يذكر بالحيوانات سوى ما جاء بالمادة 28 منه ولم يساير قانون العقوبات التى جاءت نصوصه التى تعاقب علة قتل أو إيذاء الحيوانات شديدة ومغلظة العقوبة إلى حد كبير وأقتصر دور هذا القانون على أنواع محددة من الطيور والحيوانات البرية المهددة بالانقراض بالإضافة إلى تنظيم عملية الصيد التى لم يجرمها تماما القانون من الأماكن المسموح الصيد فيها وشروط إصدار الترخيص .

تنص المادة 28 من قانون البيئة رقم 4لسنة 1994 على أنه:
(( يحظر بأى طريقة صيد أو قتل أو أمساك الطيور الحيوانات البرية التى تحدد أنواعها اللائحة التنفيذية لها القانون و ويحظر حيازة هذه الطيور والحيوانات أو التجول بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة كما يحظر إتلاف أوكار الطيور المذكورة أو أعدام بيضها وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون المناطق التى تنطبق عليها أحكام هذه المادة وبيان شروط الترخيص بالصيد فيها و وكذلك الجهات الإدارية المختصة بتنفيذ هذه المادة )) .

وقد جاء بالمادة 84 من ذات القانون فى باب العقوبات:

«يعاقب كل من خالف أحكام المادة 28 من هذا القانون بغرامة لا تقل عن مائتي جنية ولا تزيد على خمسة ألاف جنية مع مصادرة الطيور و الحـيوانات المضبوطة وكذلك الآلات والأدوات التى استخدمت فى المخالف».

قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966
«يحظر صيد الطيور النافعة للزراعة والحيوانات البرية أو قتلـها أو إمساكها بأى طريقة كمـا يحظر حيازتها أو نقلها أو التجول بها أو بيعها أو عرضها للبيع حيه أو ميتة ويحظر أتلاف أوكار الطيور المذكور أو إعدام بعضها ويصدر وزير الزراعة قرارا بتعيين أنواع الطيور والحيوانات البرية والمناطق التى تنطبق عليها أحكام هذه المادة وبيان شروط التـرخيص بصيدها على سبيل الاستثناء للأغراض العلمـية أو السياحية».

لم ينص قانون الزراعة على أى حماية للحيوانات سوى ما جاء بالمادة المذكورة والتى تمنع صيد الطيور والحيوانات البرية بالإضافة إلى بعض المواد التى تنظم عملية ذبح ذكور العجول والبقر وذلك للحفاظ على الثروة الحيوانية وهو ما لا يمت بصلة للرأفة والرفق بالحيوانات وعلى ذلك لا توجد مادة فى هذا القانون تحمى الحيوانات، وكل ما أهتم به هذا القانون هو منع صيد بعض الحيوانات والطيور في أمكان محددة للحفاظ عليها من الانقراض ولم يوفق المشرع فى منح وزير الزراعة سلطة منح تراخيص استثنائية للصيد لغرض علمي أو سياحي وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتوسع في الاستثناءات وتصبح هي القاعدة والأصل هو الاستثناء.