بات مقعد المدير الفني لمنتخب مصر خالياً بعد إقالة المكسيكي خافيير أجيري بعد مسيرته الكارثية في كأس الأمم الإفريقية بالخروج المبكر من ثمن النهائي، فمن يخلفه؟

كما جرت العادة في مصر، يتم تقسيم الخيارات دائماً عند المُفاضلة بين مدربي المنتخب إلى قسمين، أولهما (مدرب محلي)، وثانيهما (مدرب أجنبي)، فقط، هكذا تسير الأمور هنا منذ عشرات السنين.

لنتحدث إذاً عن المدرب المحلي؛ بسبب اعتماد أغلب الأندية المصرية المُنافسة على الألقاب دوماً على مدربين أجانب في الفترة الأخيرة، فلن نجد وفرة في الأسماء المُتاحة للوصول إلى مقعد أجيري الخالي.

في فترة ما كان مؤمن سليمان مدرب الزمالك السابق هو الأفضل على الإطلاق، لكنه خفت سريعاً وفشل في عدة اختبارات تالية، إيهاب جلال كان مميزاً للغاية مع المقاصة، لكن تجربته القصيرة المريرة مع الزمالك أعادت أسهمه إلى الأرض ليبدأ من الصفر مع المصري ويُثبت نفسه مرة أخرى مدرباً كبيراً.

لكن بالنظر إلى السنوات العشر الأخيرة سنجد أن حسام حسن أحد أفضل المدربين المصريين على الإطلاق، لقد كان أفضلهم بالفعل على فترات متباعدة، لعل أبرزها في عام 2011 عندما قاد الزمالك لصدارة الدوري قبل أن يخسر المسابقة في النهاية أمام أسطورة الأهلي مانويل جوزيه.


لكن لماذا حسام حسن؟
الكثير من لاعبي كرة القدم الذين أصبحوا بعد ذلك مدربين ومحللين يعتقدون بأنهم يختلفون كُلياً في عملهم التدريبي أو رؤية اللعبة وتحليلها عبر الشاشات عن هؤلاء الذين لم يحترفوا كرة القدم قبل وصولهم إلى مقاعد موازية.


الأمر نفسه ينطبق على المنتخب، اللاعبون الذين يتمتعون بمسيرة حافلة وخبرات متراكمة مع منتخبات بلادهم، سيعرفون جيداً ما الذي سيتعين عليهم فعله إذا ما أصبحو مدربين فيما بعد لمنتخباتهم.

لقد ظهر جلياً أن منتخب مصر تحت قيادة أجيري يفتقد تماماً إلى الانضباط الفني والخططي داخل الملعب، ويفتقد كل شيء خارج الملعب فيما يتعلق بالالتزام ومعرفة اللاعبين لمهام وظيفتهم التي لا يجب عليهم تخطيها، حسام حسن قد يكون حلاً مناسباً لعلاج ذلك الداء الخطير.

في 2008 عندما بدأ "العميد" مسيرته التدريبية مع النادي المصري، كان كل ما لديه آنذاك شيئان فقط، (الحماس والشحن النفسي) وبهما يدفع فريقه دفعاً للأمام، كأن اللاعبين يخشون الخطأ حتى لا ينالوا العقاب من مدربهم المتحفز الذي لا يهدأ على حدود خط الملعب.

إرث الجوهري
اشتهر المدرب الراحل محمود الجوهري بفرض الأجواء العسكرية الصارمة على معسكرات المنتخب، لا أحد يمكنه أن يتنفس خارج الإطار وإلا (سيذهب إلى المقصلة دون فرصة ثانية).


حسام حسن كان أحد أهم رجال الجوهري المخلصين، منذ بداية عهد "الجنرال" وحتى نهايته، وفي كل ولاياته، فقد أصبح الهداف التاريخي لمنتخب مصر بفضل ثقة مدربه الذي منحه كل الفرص الممكنة.

حتى أن الإعلام المغربي لم يُصدق أن الجوهري سافر لمواجهة منتخب بلادهم في تصفيات كأس العالم 2002 بطائرة أقلعت من مصر بدون حسام حسن، لقد آمنوا أن هناك ثمة خدعة من المدرب العسكري، وأن حسام سيلحق بالبعثة إلى الدار البيضاء لاحقاً.

كانت هناك شراكة غير قابلة للفض بين حسام حسن المهاجم واللاعب المخلص الملتزم، ومدربه محمود الجوهري، ومن هنا اكتسب "العميد" الكثير من صفات "الجنرال" ليُصبح جاهزاً فيما بعد لتقلد منصبه، لعله يذهب إلى قبره يوماً ما ليروي له شيئاً يستحق أن يُروى.

خبرات تدريبية
"المدربون تُقاس نجاحاتهم بالبطولات، فقط، لا شيء أخر، لكنني كنت محظوظاً بإدارة مانشستر سيتي التي منحتني فرصة ثانية بعد موسم أول بلا بطولات"، هكذا يرى بيب جوارديولا الأمر وهو المدرب الأعظم على الإطلاق.

حسام حسن لم يحقق أي ألقاب خلال 11 سنة في مسيرته التدريبية، لكن هل يعني ذلك أنه مدرباً فاشلاً لا يستحق الحصول على مقعد أجيري وكوبر؟

ربما يستحق "العميد" الانتقاد اللاذع على عدم الفوز ببطولة الدوري 2011-2012 وقت أن كان متقدماً بالزمالك بفارق 6 نقاط عن الأهلي ثم خسر أمام فريق مانويل جوزيه في النهاية، لكن ربما تكون هذه هي المرة الوحيدة فقط التي يُلام حسام حسن فيها على عدم تحقيق بطولة.


في 2017 وصل حسام حسن بفريق المصري غير المرشح دائماً للفوز ببطولة إلى نهائي كأس مصر، وصل إلى وقت إضافي وتقدم على الأهلي قبل أن يستقبل هدفين ويخسر فرصة البطولة الأولى في حياته.

ثم الوصول إلى نصف نهائي الكونفدرالية مع المصري في عام 2018 بفريق لم يكن يحلم قبل مرحلة حسام حسن بالتأهل للبطولة، ولذلك سقط بلا وعي أو حد أدنى من الخبرات أمام فيتا كلوب برباعية نظيفة لينتهي المشوار قبل خطوة من النهائي.

قبل ذلك كان حسام حسن يسير على خطى مُعلمه الراحل محمود الجوهري، لقد حصل على إرثه في الأردن، وقاد منتخب النشامى من نفس مقعد الجنرال، ووصل به إلى نهائيات آسيا، وكان قريباً للغاية من التأهل إلى كأس العالم 2014.

قاد "العميد" كتيبة الأردن إلى ملحق غير متكافئ ضد أورجواي من أجل التأهل لنهائيات كأس العالم، وسقط النشامى أمام كافاني وسواريز ورفاقهما بخماسية نظيفة بعد تعادلهم في الذهاب بالأردن بدون أهداف، ليكتفي حسام حسن بمشاهدة كأس العالم من على حدوده فقط دون الحصول على تأشيرة البرازيل.


الموضة العالمية
"نجم المنتخب الذي يقود بلاده للانتصارات، سيصير لاحقاً المدير الفني لنفس الفريق"، هذه القصة القصيرة جداً تكررت بأشكال مختلفة في كل أنحاء العالم حتى أصبحت موضة مُتعارف عليها.

مارادونا مع الأرجنتين، ديشامب مع فرنسا، ساوثجيت مع إنجلترا، زلاتكو داليتش مع كرواتيا، وفي كأس الأمم الإفريقية 2019 لدينا جمال بلماضي الذي كان ضمن فريق 2001 الذي نافس الجوهري وحسام حسن، لقد أصبح الآن مدرباً للجزائر المُرشح الأول لحصد اللقب في القاهرة.

وفي الأندية هناك أمثلة لا تُعد ولا تُحصى، لعل أحدثها فرانك لامبارد مع تشيلسي، وأولي جونار سولشاير مع مانشستر يونايتد، ومن قبلهم جوارديولا مع برشلونة وزين الدين زيدان مع ريال مدريد وجاتوزو مع ميلان، والقائمة تطول إلى مالا نهاية.

ولكن..
كل هذه المميزات السابقة قد لا تكون كافية ليُمسي حسام حسن مديراً فنياً لمنتخب مصر، نظراً لوجود بعض السلبيات التي تتحلق حول مقعد أجيري المهجور لتشكل حاجزاً بين حلم "العميد" وإرث الجوهري الأهم.

العصبية الزائدة التي تصل إلى افتعال المشاكل أحياناً هي أهم ما يهدد صعود العميد لمقعد الجنرال، كما أن النُقاد والمحللين كثيراً ما انتقدوا طريقة لعب حسام حسن ليستقر بعضهم على أن الفرق التي يُدربها مهاجم المنتخب المُعتزل تعتمد بشكل رئيسي فقط على الحماس والاندفاع البدني، ولا فنيات.

الأمر يُشبه مجموعة من الطرائد في غابة مترامية الأطراف يرعون وخلفهم أسد صياد يرمقهم بعين لا تعرف الرحمة، وعندما يتحرك صوبهم سيركض الجميع بسرعة لم يركض بها من قبل طيلة حياته، ومن لا يفعل ذلك، سيموت.


قد يكون ذلك كافياً في كثير من الأحيان خاصة مع تدريب المنتخبات، حيث لا فرصة كافية لتطبيق طريقة لعب مختلفة ومميزة تحتاج لأسابيع من أجل الدراسة النظرية والتدريب والتطبيق عملياً، الحصول على 100% من مجهود اللاعبين وجعلهم في أعلى درجات التركيز، وعدم الخروج عن النص، واتباع التعليمات بحذافيرها، هذا هو المطلوب بشكل عاجل.

"منتخب مصر لم يكن لديه خطة بديلة، الأمور تكون صعبة للمنتخبات لأنها لا تتدرب بصفة دورية على عكس الأندية"، كان هذا تعقيب جوزيه مورينيو على فريق أجيري بعد خسارته أمام جنوب إفريقيا، فإذا كان غرس الطرق والفنيات في طريقة لعب المنتخب سريعاً أمر في غاية الصعوبة، فإن الأشياء الأخرى التي ورثها حسام حسن من محمود الجوهري قد تصبح شيئاً جيداً يُمكن البناء عليه.