وسط تصاعد أعمدة اللهب والدخان، وتزايد بقعة المياه في محيط المكان، تزاحم العديد من المارة لرؤية حريق كنيسة الأنبا بولا، الذي اندلع في الساعات الأولى من صباح اليوم، محاولين إيجاد مكان مناسب يُمكنهم من التقاط صورة أو مشاهدة الحريق من أقرب زاوية، بينما لم يبذل آخرون جهدًا في ذلك كونهم جيران للكنيسة المنكوبة.

في العادة يتميز شارع الدويدار بمنطقة حدائق القبة بالهدوء مساءً، ولكن ذلك تبدد مع إشارة عقارب الساعة إلى الساعة الثانية عشرة من صباح اليوم، ليتفاجىء سكان العقارات المواجهة لكنيسة الأنبا بولا، بالتهام النيران الكنيسة المواجهة لمنازلهم، ليفزعهم المشهد ويجعلهم يعيشون لحظات من الرعب، يروون لـ"الوطن" تفاصيلها وكيف مروا بها بسلام.

أحد سكان العقارات المجاورة لكنيسة الأنبا بولا: اتصدمت من المنظر وكنت حاسس إني بحلم
كعادته يتجه أحمد النهراوي، أحد سكان العقار المواجه لكنيسة حدائق القبة إلى سريره في ذلك الوقت، ليخلد إلى النوم قبل مواصلة عمله في الصباح، ولكن أنوار اللهب المتصاعد من سور الكنيسة أبت أن تتركه وشأنه، لتضيء شباك نافذة غرفته الزجاجية ما جعله ينهض ليتفقد الأمر: "اتصدمت من المنظر وكنت حاسس إني بحلم".

سُلم العقار الذي يقطنه "النهراوي" شهد على هرولته مسرعًا نحو الشارع ليُبلغ المحيطين بالمكان بما رآه، بعد أن أيقظ أبناءه وأمر زوجته بالاتجاه نحو الشرفة لتنبيه الجيران: "لما النار اشتدت خوفت وقولت لمراتي هاتي الولاد وانزلي، وديتهم قهوة بعيد عن موقع الحريق، وأنا كملت مع السكان".

داخل شرفته بالدور الرابع جلس المهندس محمود عواد، بعد أن أخمدت قوات الإطفاء الحريق، واضعًا يده على رأسه يتذكر ما حدث في الساعات القليلة الماضية: "صحينا أنا وزوجتي مفزوعين من النوم على صوت صراخ في الشارع، ولما بصيت من البلكونة لقيت أبشع منظر شوفته في حياتي".

زوجة المهندس صاحب الـ43 عامًا، لم تتمالك نفسها فبكت وصرخت فور رؤيتها الحريق، بحسب قوله، وحينما أتت عربات الإطفاء ظل يصرخ: "ألحقوا السقف هيقع يا جماعة الخشب اللي فوق ولع كله"، قبل أن يفاجأه صوت زوجته بجواره: "إحنا هنموت" ظنًا منها أنها النهاية، "مدخلتش من البلكونة غير لما الحريقة اتطفت، الأربع ساعات دول عدوا عليا قد الأربعين سنة اللي عيشتهم".

من اللحظة الأولى لنشوب النيران في جدران الكنيسة، تابع الشاب تامر محمود الواقعة، ما جعله يمسك بهاتفه بسرعة ويبلغ النجدة بالحريق، ليأكدوا له أنهم تلقوا بلاغا بالحادث وفي طريقهم إلى هناك، وبعد نحو 20 دقيقة وصل رجال الإطفاء: "شوفت تكييف بيضرب وبيتحرق، حاولت أنادي على الناس بس النار كانت سبقتني وولعت.. منظر الحريقة كان مرعب".

رجل إطفاء: مع الأسف الدور اللي كنت فيه أغلبه معمول من الخشب
فوق سور الجراج الملاصق لكنيسة الأنبا بولا، وقف "مصطفى. م"، أحد رجال الإطفاء، ممسكًا بخرطوم الإطفاء وتتدفق منه المياه بقوة، بعد أن ساعده أحد سكان المنطقة بوضع سلم صغير كسبيل للصعود، ليحاول أن يلاحق النيران الممسكة بجدران الكنيسة من جهة أخرى: "كسرت الإزاز ووجهت الخرطوم جوه المبنى".

بأوامر من قائده، دخل "مصطفى" إلى مبنى الكنيسة بعد أن كسر زجاج نافذة المبنى، ليصبح وجهًا لوجه أمام أعمدة النار المتصاعدة: "مع الأسف الدور اللي كنت فيه أغلبه معمول من الخشب وده صعب المأمورية علينا بس الحمد لله قدرنا نسيطر على الوضع".

خشب متهالك ونيران تأكل الأخضر واليابس، مشاهد رآها رجل الإطفاء داخل الدور الثاني من كنيسة الأنبا بولا: "الدنيا جوا ضلمة كحل مفيش غير النار وورق بيطير وخشب محروق بيقع على بعضه.. خدت ركن ووجهت الخرطوم ناحية الشمال عشان النار متوصلش للتكييفات اللي بره وتمسك فيها وزمايلي من بره شغالين في الاتجاهات التانية".