بقلم الدكتور رؤوف هـنـدي
"هذه آفة هذا الزمان، الأعمياء يقودهم المجانين، هذه الجملة التى تحمل بين كلماتها أحد رموز الحكمة قيلت على لسان "اللورد جلوستر"، أحد شخصيات المسرحية العالمية "الملك لير" لشكسبير، والذى قام بدوره الفنان الكبير "فاروق الفيشاوي"، فأثناء مُشاهدتى لهذا العرض المسرحى العظيم، والذى يقوم ببطولته الفنان العبقري "يحيى الفخراني"، كم لفتت انتباهى هذه الجملة، عندما قالها الفنان "فاروق الفيشاوي"، بعد أن فقد عينيه الاثنتين بطعنة خنجر من صهر "الملك لير"؛ بسبب إخلاصة وولائه لهذا الملك، وعندما ظل يسير وهو لا يرى شيئًا، حتى سمع صوت رجل، فناداه لكى يقوده، فهمس به أحد الخدم: "كيف يقودك يا مولاي، وهو رجل مجنون؟!"، فرد عليه "اللورد جلوستر": "هذه آفة هذا الزمان، الأعمياء يقودهم المجانين". 
 
فلو ركزنا فى هذه الجملة، سنجد أنها تنطبق على الكثيرين، وربما تنطبق على كل إنسان فى لحظة معينة من حياته، فكل من يرفض أن يرى الحقيقة، ويُسلم أموره لشخص أهوج، فبالقطع تنطبق عليه هذه العبارة، سواء فى السلطة، أو فى العمل، أو فى العلاقات الإنسانية. 
 
وأذكر أن هذه الجملة استوقفتنى بشدة أثناء مشاهدتى لهذا العمل العظيم، خاصة وأننى من أشد المهتمين بأعمال الكاتب العظيم "وليم شكسبير"، ومنذ مطلع شبابي وأنا أحرص على قراءة مسرحياته، التى حملت الكثير من المفاهيم والقيم التى نعيش فيها الآن، سواء على الساحة السياسية، أو الإنسانية، فالعبارات التى كان يستخدمها "شكسبير فى مسرحياته، كانت تترجم الواقع، سواء فى الماضى أو فى المستقبل وكل الازمنة واحدة وإن تعددت العصور والملك لير تراجيديا عالمية إنسانية حققـت شهرة واسعة ونجاح كبير وكتبت المسرحية مابين سنة 1603وسنة 1606وقُدمِتْ على المسرح لأول مرة سنة 1607 وقد
وضعها النقاد على قمة ما كتب شكسبير باعتبارها تنتمي إلى العصر الحديث أو تحمل بذور الحداثة ترجمت المسرحية لأكثر من لغة، وترجمها للغة العربية دكتور محمد عناني وتعتبر من كلاسـكيات الأدب العالمي وروائع الكاتب المسرحي والشاعرالإنجليزي وليم شكسبير والذي عاش بين عامي 1564 م -- 1616م وترك حوالي 158 مسرحية عالمية من تأليفه وكلها لمست منحنيات النفس البشرية بكل مافيها من تناقضات واسئلة حائرة وفي رواية الملك لير أو مأساة الملك لير يحكي شكسبير عن علاقة الملك ببناته الثلاث الكبرى جونريل والبنت الوسطى ريغان والصغري كورديليا فحين شعر الملك لير بتقدمه في السن قرر تقسيم أملاكه بين بناته الثلاث فيعطي الكبري حصتها وتشكره وتنافقه بعظيم المدح والعبارات وكذلك فعلت إبنته الوسطى وأما الصغرى والتي كانت لاتزال غير متزوجة فلم تكذب كما كذبت اختاها ولم تنافقه بمعسول كلام أراد سماعه ولذلك غضب منها وقال لها " إني أتبرأ من نسبي وقرابتي لك "ولم يعطها حصتها بل أعطى حقها لاختيها ثم تنازل عن الحكم والسلطة مع احتفاظه بلقب الملك ومئـة فارس .
 
ومن يُركز فى هذه العبارة الخالدة " هذه آفة هذا الزمان , العميان يقودهم المجانين " يشعر بروعتها، فكم من مرة أسلم أعمى البصيرة قيوده وزمام أموره لشخص مجنون، وليس المقصود بالجنون هنا، آفة العقل وهى الخبل، وإنما التصرفات الهوجاء، التى لا تخضع للدراسة أو التأني، ومن يسرح بخياله فى كل جملة يسمعها، ويُصر على تطبيقها على نفسه، قطعًا سينأى بنفسه من أن يكون عِبْرة لمن لا يعتبر وعلينا ان ندرك ان الناس للأسف في إحيانٍ كثيرة لايكرهون الآخرين لعيوبهم بل لمزاياهم وهذا مالم يدركه الملك لير مع إبنته الصغري وحتى لاتؤلمك المفاجئة قلل لأقصى حد سقف توقعاتك بالجميع كي لاتُصدم فمن يُحب أن يعيش فى الحياة كالأعمى، بالرغم من أنه يملك نعمة النظر، ومن يرتضى أن يُنْعت بالجنون، فى حين أنه ليس بمخبول، ومن يقبل أن يقوده شخص مجنون، بالرغم من أنه يملك العقل، فإذا أردت أن تعيش، فكن مُبصرًا، يقودك عقلك.