لم يكتفِ بأن ورث عن والده  أخلاقه وصفاته وأسلوب حياته، إلا أنه ورث أيضًا حب مهنة آبائه وأجداده، التي لم يتركها في أصعب الظروف، حتى وإن أوشكت هذه المهنة علي الاندثار قرر الاستمرار بها ولكن بطريقة آخر لا تبعده عن المجال الذي أحبه.

 
عشق سيد محمد إبراهيم، البالغ من العمر 61 عامًا، مهنة صناعة مراكب السياحة والصيد والتي كانت تصنع من الخشب قبل أن تتطور هذه المهنة، فكان جده ووالده يعملان في هذا المجال، واشتغل به لآنه الرجل الوحيد لوالده.
 
ويروي سيد لـ"الوطن"، أن أول يوم له في هذه المهنة كان وهو في عمر 10 سنوات، وبدأ تعلم المهنة من والده الذي كان يعمل معه في ورشته بمنطقة بحري بالإسكندرية، "اتعلمت على مراحل 5 سنوات إزاي تقطيع الخشب، وسنتين البناء الداخلي للمركب، وعامين للتصميم الخارجي".
 
وتستغرق عملية تصنيع المركب فترة ما بين 8 أشهر لعام أو عام ونصف، تتم خلالها عملية التصنيع بعدة مراحل منها اختيار نوعية الخشب المستخدم وتنحصر في أنواع محددة منها المستخرج من خشب "طربل أو أشجار الكافور" فهما أجود أنواع الأخشاب التي تستمر طويلًا في المياه.
 
ويبدأ تصنيع المركب ببناء "المصطبة" وهي عبارة عن أرضية المركب، تليها عملية البناء الداخلي من غرف للتخزين وللمحركات وللنوم، ثم عملية "التلويح" وهي عبارة عن ثني الألواح الخارجية على هيكل المركب باستخدام أداة تسمى "الغزالة"، ثم مرحلة "الألفطه" وهي الفراغات اللي ما بين ألواح الخشب بخيوط من الحرير، وفقا لحديثه.
 
لم ينتهِ دور سيد، في صناعة المركب عند هذا الحد، فهو مسؤول عن متابعة دور أصحاب المهن الأخرى المشاركة في صناعتها، ويتابع عمل الحدادين والنقاشين وفنيين الكهرباء، وتبلغ التكلفة الإجمالية للمركب بثمن الخامات وأجور العاملين بها ما يقرب من 850 ألف جنيه.
 
لا يزال سيد، يتذكر جيدًا آخر مركب قام بتصنيعها، ليس فقط لآنها الأخيرة ولكنها أيضا لكونها الأكبر في تاريخه، "كانت مركب صيد للحاج محمد البطيخي، ودي كانت أطول مركب أعملها كان طولها 28 مترًا، واشتغلت فيها حوالي سنة ونص".
وتوجه الراغبون في عمل مراكب الصيد أو السياحية للمراكب الحديثة التي تشكل من الحديد كان سببا في اندثار المهنة والعزوف عنها، وهو ما دفع "سيد" لمحاولة البحث عن مهنة اخرى، "عشان لازم أربي العيال كان لازم أشوف شغلانة تانية"، حسب سيد.
 
فلم يكن في مقدوره الابتعاد عن المهنة التي أحبها، فقرر استئجار ورشة صغيرة بمنطقة بحري بالقرب من قلعة قايتباي، وعمل فيها على استخدام موهبته في صناعة السفن، بصناعة مجسمات للسفن الصغيرة المستخدمة كديكور، ويظهر يعمل في ورشته بصورة التقطها له المصور أسامة غزالي.
 
ويتراوح سعر المراكب الصغير التي يبيعها في ورشته ما بين 800 جنية إلى 2000 جنية وفقا للحجم والشكل، "بيجلبي شغل من بازارات ومحلات في شرم والغردقة ودهب، الناس بتحب الحاجات دي كهدايا".
 
ويتمنى سيد، أن يعود مرة أخرى لصناعة المراكب الكبيرة، "أنا بحب المهنة دي وبلاقي نفسي فيها.. نفسي أرجع تاني أقف في الورشة على البحر وابني مراكب تاني".