قبل ساعات قليلة من توسط الشمس السماء، إيذانًا بقُرب موعد الظهيرة، ومعه صلاة الجمعة؛ كان يستعد الشيخ صبري المراغي إمام مسجد الأنصاري، الذي يقع خلف معهد الأورام بالمنيل، للصعود إلى المنبر، لإلقاء الخطبة التى حددتها وزارة الأوقاف بعنوان "الدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع وفضل يوم عرفة". تكدس المصلين داخل المسجد وخارجه في أول صلاة جمعة عقب حادث تفجير معهد الأورام المؤلم الذي وقع مساء الأحد الماضي وراح ضحيته 22 مواطنًا. صعد الإمام المنبر، بدأ حديثه بالدعاء للشهداء: "الحادث أثر في الناس كلها مكنش ينفع منتكلمش عنه" يقولها الخطيب.

 
"أنا مرتبط بخطبة الوزارة بس مقدرتش متكلمش عن الحادث وأن مرتكبه آثم"، صباح اليوم حضر صبري من محل إقامته بالمعادي لإلقاء خطبة الجمعة الموحدة التي أعدتها وزارة الأوقاف، إلا أنه تتطرق أثناء الخطبة للحديث عن عقاب من قتل نفسا بغير وجه حق في يوم القيامة، مستغلاً جانب من جوانب خطبة اليوم الذي كان موضوعها الدروس المستفادة من خطبة الوداع وهى حقن الدماء "الإرهابي بيكون ليه فهم خاطئ ولازم نوضح على قد ما نقدر سوء ذلك الفهم.. إزاى الإنسان تسمح له نفسه بقتل أناس أبرياء ملهمش ذنب أصلا وكمان مرضى".
 
داخل معهد الأورام وقبل انطلاق آذان الجمعة بدقائق، كان عشرات العمال بشركة المقاولين العرب يتابعون أعمالهم في رفع الركام، يقول أحدهم "النهارده الجمعة شغالين علشان مفيش وقت علشان الأطفال المرضى"، ومع إنطلاق الآذان تجمعوا للصلاة بمحيط عملهم، استغلالًا للوقت "مفيش وقت نروح المسجد بنصلى هنا وربنا عارف ظروفنا وأكيد هيقبل مننا".
 
في الوقت نفسها، كان مجموعة من رجال المرور يقومون على تنظيم حركة المرور أمام المعهد، يجلس بالقرب منهم رجال الأمن المركزى، الذين استعدوا للتعامل مع أي حدث طارئ، يقول أحدهم "الحادث كان صعب ولازم المرة الجاية التعامل يكون بحذر".
 
على الجهة المقابلة لمعهد الأورام، كان إمام مسجد نبي الرحمة المملوك لإحدى المؤسسات الخيرية، لم ينتهِ من خطبة الجمعة بعد، يحُث المصلين عن فضل العشر الأوائل من ذي الحجة ويوم عرفة، متطرقًا في نهاية حديثه عن التفجير المأساوي الذي حدث مساء الأحد الماضي.
 
"المسجد أدمر كله من التفجير" قالها محمد شارى نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة، بعد أن طلب من أحد العاملين وضع صندوق بجوار باب دخول المسجد لجمع المساهمات وإعادة ترميم المسجد وخصوصًا مصلى السيدات، الذي تضرر بالكامل إبان التفجير: "مكان السيدات أكتر مكان اتضرر وبنلم تبرعات من الأهالى لترميم المسجد"، وعقب انتهاء الصلاة بدأ المصلين بالخروج من المسجد تجاه منازلهم، فيما ظل عادل متولي أحد المصلين وساكن بالمنطقة، لمعرفة آخر التطورات التي وصل إليها الترميم يقول عادل "احنا بنصلى هنا من زمان والمسجد مبقاش ينفع ولازم يترمم من تاني".
 
"مش هنقدر نشترى شبابيك تاني، هنعمل الشبابيك بالطوب".. داخل المسجد الذي يطل على المعهد مباشرًا، جلس محمد مع أحد الأشخاص يوجهه لسد النوافذ بالطوب الأحمر، نظرًا لقلة التبرعات، واقتراب عيد الأضحى المبارك "العيد داخل علينا مفيش وقت"، يقول محمد.
 
مساء الأحد الماضي، كان حمادة سراج، يجلس على أحد المقاهي خلف معهد الأورام بعدما أغلق المطعم الخاص به، ليفاجأ بصوت هزة أرضية وكأنها رعد وبرق كما يصفها، اندلعت بعدها النيران وانطلقت أصوات الصراخ يقول حمادة "طلعنا نجرى لقينا الدنيا مدمرة والجثث في كل مكان".
 
منذ 10 أعوام، يمتلك حمادة صاحب الـ46 عامًا، مطعمًا خلف المعهد مباشرة، اعتاد الحضور يومياً في السادسة صباحًا من محل إقامته بالسيدة زينب والعودة في الحادية عشر مساءً: "المرة دي قفلت وقلت أروح أقعد على القهوة شوية" يصمت قليلًا ويتذكر تلك اللحظات التي كان يشارك خلالها في حمل أشلاء الضحايا المطروحة أرضًا "كان حادث فظيع جدًا.. أكتر من كابوس".
 
"عمرى ما هنسى منظر الجثث والأطفال المرضى وهما بيبكوا قدام المعهد" بهذه الكلمات بدأ محمد الماحى -صاحب أحد الأكشاك المجاورة للمعهد- حديثه، كان يظن التفجير بأنه برق قد داهم الأرض من شدته يقول "كل حاجة في الكشك وقعت على الأرض".
 
"وقت الحادث كنت لسه مستلم الشغل من ابنى" قام بحساب إيراد الفترة الصباحية، وبدأ يرتب مقعده داخل الكشك للجلوس "لسه هقعد لقيت نفسي على الأرض والدنيا كلها نار". رغم مرور الرجل بنفس الموقف قبل خمس سنوات، عندما حدث انفجار داخل جراج المعهد وراح ضحيته أحد العمال، إلا أن الأخير كان بالنسبة له هو الأصعب "كان الانفجار اللى فات بسبب اسطوانة أكسجين.. بس عمره ما هيكون زي التفجير ده".