سليمان شفيق
الاب منير خزام اليسوعي ينبوع ماء عذب تدفق في صحراء الصعيد ، خدم الأب منير طوال مدة خدمته الخمسة وخمسين عامًا فى القاهرة والمنيا وجراجوس والسودان وارمنت  ونجع حمادى، راهب نبيل، اتبع انطونيوس ابو الرهبنة وباع كل ما يملك وذهب الي صحراء الصعيد واماكنها المقفرة ، وسار علي درب معلمة وابو رهبنتة اغناطيوس دي ليولا ، سيرا علي الاقدام علي طريق تنمية الانسان ، وكما يقول متي الرسول اصحاح 5:"واما من عمل وعلم فهذا يدعي عظيما في ملكوت السماوات "، هكذا سار الراهب النبيل يعمل ويعلم ، وتبعة فرسان علي درب الحرية الداخلية من أجل استباق الملكوت علي الارض .

هناك في عمق النهر كانت بصمات قديس التنمية ، تتحدث ، شاهدت واستمعت إلى أعمال الأب منير، فأدركت أنه مثلما الصعيد منسى، فهناك أبطال تنمويون أيضًا منسيون، الأب منير راهب وكاهن اليسوعى، ولد 15 يونيو 1932، بمصر الجديدة من أسرة أرستقراطية، الأب مستشار بالقضاء، حصل على الثانوية العامة من مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة، ورغم عراقة وأرستقراطية أسرته، وهب حياته للخدمة والرهبنة عن طريق الرهبنة اليسوعية، حصل على ليسانس الآداب فى الفلسفة وعلم النفس من جامعة القديس يوسف ببيروت، وأكمل دراساته العليا فى الفلسفة واللاهوت بفرنسا، وسيّم كاهنا فى 21 يونيو 1964.

بدأت خدمته فى حياة الرهبنة بدير الآباء اليسوعيين بالمنيا عام 1965 لمدة 12 عامًا، تركز عمله خلالها على تكوين الأطفال والشباب والمعاقين بمختلف انتماءاتهم من خلال العديد من الأنشطة 1965، وكوّن أول فريق كشافة يجمع بين المسيحيين والمسلمين فى حى جنوب مدينة المنيا لخدمة أحياء الإسعاف وأبوهلال بالمنيا.. ذلك الحى الذى كان من الأحياء الفقيرة والأكثر احتياجًا، وفى عام 1966 بدأ أول برنامج لتمكين ودمج المعاقين جسديًا، وتم عمل مركز متكامل للمعاقين جسديًًا بالمنيا، وأصبحت فيما بعد جمعية الجزويت بالمنيا المسؤولة عن قطاع المعاقين فى المحافظة بعد تدريب وتأهيل فريق عمل على مستوى عالٍ من الكفاءة، وبذلك كان رائد تمصيرالخدمة .

 فى عام 1988 ذهب الأب منير خزام إلى الأقصر لخدمة ثلاث قرى، غرب مدينة الأقصر، مركز أرمنت، هى: المريس، أرمنت الحيط، وأرمنت الوابورات، وهناك قام بمساعدة عدد من المتطوعين، منهم المرحوم ميلاد رياض، وأمجد يوسف، وهانى شوقى، وجمال يوسف، وآخرون، فى تنفيذ مجموعة من الأنشطة للأطفال والشباب والفتيات، تمثلت فى أنشطة ومعسكرات كشفية، دروس تعليمية، أنشطة رياضية، وتقديم الإسعافات الأولية.

وبدأ خدمته مع الأطفال الفقراء والأيتام، حيث كان يجمع الأطفال ويقدم لهم الوجبات ويساعدهم فى مصاريف دروس المدرسة، ثم اختر الأطفال الأشد احتياجًا، وأسس دارًا للأيتام، هى «دار النعمة»، وذلك عام 1993 لخدمة الأطفال الأيتام من محافظات الجنوب، وكانت الدار بقرية أرمنت الوابورات، وتخرّج من هذا الدار أكثر من 100 شاب، ومنهم من سافر إلى روسيا وإيطاليا وفرنسا، وبعضهم حصل على شهادات جامعية متخصصة، والبعض الآخر تدربوا على حرفة، واستطاعوا أن يبدأوا حياتهم، وأن يصبحوا مواطنين فاعلين
 
بالإضافة لمبادرات للتكوين الحرفى، فى مجالات الحدادة وأعمال الدهانات والنجارة والتفصيل والخياطة، على أيدى كفاءات مهنية، لتحفيز الشباب على التعلم والانخراط فى المجتمع، واكتساب حرفة بجانب الدراسة الأكاديمية دون الاعتماد على الشهادة حتى يصبح الشاب قادرًا على مواجهة الحياة
 
فى عام 1993 قام الأب منير بإشهار جمعية «مفتاح الحياة»، قنا، لتكون المائدة التى يلتقى حولها الجميع، والشريك الذى يعمل بكل جهد وحب لتنمية القرية المصرية فى صعيد مصر، بدأت الجمعية عملها بتأسيس دار للأيتام فى سبتمبر 1993، وفى 1994 تم افتتاح 2 دار حضانة فى قريتى المريس وأرمنت الحيط، تلتها أخرى بأرمنت الوابورات فى 2001، بإجمالى 350 طفلًا، أسهمت بشكل كبير فى تشكيل وعى المجتمع التربوى تجاه الطفل، ورفعت من مستوى التعليم بشكل ملحوظ، وأيضًا تم تأسيس 2 مستوصف طبى بهما 7 عيادات مجهزة، ويخدمان 10 آلاف حالة سنويًا من المسلمين والمسيحيين، ومكتبات ثقافية، وبرامج لرفع المستوى التعليمى للمراحل التعليمية المختلفة، وفصول لترقية المرأة ومحو الأمية، وأيضًا مركز لـتأهيل الشباب والفتيات حرفيًا يستفيد منه 20 شابًا وفتاة سنويًا، وتعمل الجمعية ومازالت فى 40 قرية، وبالشراكة مع 50 جمعية محلية والجهات الحكومية المعنية، فى تنفيذ العديد من المشروعات فى مجالات التعليم، مثل دروس تقوية للأطفال، مسلمين ومسيحيين، الصحة، البيئة، تمكين النساء ومنحهن قروضًا صغيرة، ومشروع النشء، وهو يقدم أنشطة مثل مسرح مكشوف فى الشوارع، وحماية الأطفال، وتكوين القيادات المدنية من الشباب
 
وجمعية «مفتاح الحياة» لها 4 فروع، منها قرية أرمنت الحيط التى كانت البداية، وقرية المريس، قرية الوابورات، واستطاع الأب منير أن يحصل على إجماع الشباب والنشء حوله من المسلمين والمسيحيين، وذلك بسبب بساطته فى التعامل، واستخدامه لأساليب تربوية جاذبة، وتقديرًا لهذه الخدمات الاجتماعية للأكثر احتياجًا التى قام بها، قامت الهيئة القبطية الإنجيلية فى 28 فبراير 2014 بتكريمه ومنحه جائزة القس الدكتور صموائيل حبيب للعمل الاجتماعى.
 
توقفت كثيرًا أمام سيرة هذا الفارس الراحل مع جمال يوسف، أبرز تلاميذته الذين يكملون مسيرتة الان ، والذى يرأس إدارة الجمعية حاليا، ومؤسس جمعيات أخرى، مثل «المصرى» و«أنا المصرى» فى قنا والأقصر بروح معلمة منير خزام، والتى تقدم نفس الخدمات الاجتماعية للجميع، وقدّم لى جمال أيضًا سيرة حياة التلميذ الراحل ميلاد رياض الذى جاء من المنيا وعاش ثلاثين عامًا يخدم مع الأب منير حتى انتقلت روحه لبارئها فى صمت وكبرياء، وتستمر زوجة ميلاد أمل، وأولاده تونى ورائد فى مواصلة طريق الأب ميلاد، والرمز منيرخزام رغم غياب الاب ميلاد الذي دفع حياتة علي درب معلمة النبيل منير خزام .

،ولازال هناك مئات التلاميذ يتقدمون مسيرة الاب النبيل منير وفي مقدمتهم الاخ راضي منير اليسوعي في عطاء وصمت واتضاع رغم كل التحديات .
ملحمة عطاء عظيمة تستحق إعادة قراءة من قبل كل من يريد أن يعرف كيف نكافح الإرهاب والتطرف بالتنمية، لرمز حقيقي لراهب صارت البرية داخلة وليست خارجة ، حاول ان يستبق الملكوت للفقراء في العالم في صمت ونبل وتواضع .