يحتفل الأقباط، اليوم 11 سبتمبر، بأقدم عيد لأقدم أمة، وهو عيد رأس السنة القبطية أو كما يلقب بـ«عيد النيروز»، وهو أول أيام السنة الزراعية الجديدة التي تبدأ بشهر توت الأول في ترتيب الشهور القبطية.

 
واحتفالات الأقباط بهذا العيد عادة قديمة جرى اتباعها منذ مئات الأعوام حتى أنها كانت مناسبة عامة يحتفل فيها المصريون باختلاف دياناتهم.
 
تم توثيق احتفال المسلمين والمسيحيين بهذا العيد في أكثر من حقبة مختلفة، فقد كانت الدولة في العصر الفاطمي تولي اهتماما خاصا لهذا العيد، وكان يتم الاحتفال به بشكل رسمي من قبل الدولة، وكان الرعايا يوزعون الهدايا والأموال على الشعب في هذا اليوم، أما الشعب فكانوا يتخذونه عيدا وفرصة للتنزه في احتفال شعبي في المتنزهات والحدائق، وفقا لما ذكره المقريزي في كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار».
 
واتبع المصريون عادة مميزة في هذا اليوم، فقد كانوا يختارون من بينهم شخص كل عام ينصبونه رئيسا لموكب الاحتفال، وكان يدعى «أمير النيروز»، واستكمالا للاحتفال كان هذا الموكب يجوب الشوارع ويطلب من الناس مال ومن يرفض إعطاؤه يلقيه بالماء، وكان الأمر كله مزاح ليلعبوا بالمياه، وكتب المقريزي: «في سنة أربع وستين وثلثمائة: وفي يوم النوروز زاد اللعب بالماء ووقود النيران وطاف أهل الأسواق وعملوا فيلة وخرجوا إلى القاهرة بلعبهم ولعبوا ثلاثة أيام وأظهروا السماجات والحلي في الأسواق ثم أمر المعز بالنداء بالكشف وأن لا توقد نار ولا يصب ماء وأخذ قوم فحبسوا وأخذ قوم فطيف بهم على الجمال.»
 
وذكر المقريزي الذي عاش بمصر خلال عصر المماليك مظاهر الاحتفال بعيد النيروز في عصر المماليك، فقد كان فيه احتفال سنوي أيضا بهذا اليوم، ولكنها كانت غير لائقة فقد كان يسود الشوارع والأزقة بهذا اليوم حالة من الفوضى والعبث، وكانوا يلقون المارة تارة بالمياه وأخرى بالخمر، وكانوا يرتكبون الفواحش، ويجمع الموكب مال من المارة ومن لا يدفع كان يُساق إلى قصر الحاكم، فإما كان يفدي نفسه بالمال أو يتم إهانته.
 
وكتب المقريزي عن الاحتفال بعصر المماليك: «يوم النوروز القبطي وهو مستهل توت، وتوت أول سنتهم وقد كان بمصر في الأيام الماضية والدولة الخالية من مواسم بطالاتهم ومواقيت ضلالاتهم فكانت المنكرات ظاهرة فيه والفواحش صريحة فيه ويركب فيه أمير موسوم بأمير النيروز ومعه جمع كثير ويتسلط على الناس في طلب رسم رتبه ويرسم على دور الأكابر بالجمل الكبار ويكتب مناشير ويندب مرسمين كل ذلك يخرج مخرج الطير ويقنع بالميسور من الهبات ويجتمع المغنون والفاسقات تحت قصر اللؤلؤ بحيث يشاهدهم الخليفة وبأيديهم الملاهي وترتفع الأصوات ويشرب الخمر والمزر شربًا ظاهرًا بينهم وفي الطرقات.
 
ويتراش الناس بالماء وبالماء والخمر وبالماء ممزوجًا بالأقذار وإن غلط مستور وخرج من بيته لقيه من يرشه ويفسد ثيابه ويستخف بحرمته فإما أن يفدي نفسه وإما أن يفضح ولم يجر الحال على هذا ولكن قد رش الماء في الحارات وقد أحيى المنكرات في الدور أرباب الخسارات».
 
أما المقريزي فاسمه الحقيقي هو أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي وهو مؤرخ الديار المصرية، ولكن ترجع أصوله إلى لبنان وكانت حينها تدعى بعلبك، وولد بالقاهرة سنة 766 هـجريا ونشأ بها وكان قد سافر إلى سوريا وعاد مجددا إلى مصر حتى توفي في القاهرة سنة 845 هـجريا.