واحد من أهم علماء الكنيسة المسيحية الأولى، جهوده في ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية تعد أعظم إنجاز خلال العصور الوسطى، أعوام طويلة قضاها معتكفا للانتهاء من عمله، اتخذ على عاتقه أن عمله كمترجم أمانة رغم أن وظيفة المترجم لم تكن شائعة في هذا الوقت، إنه القديس جيروم الذي تم تخليد ذكرى وفاته، وتحويلها إلى مناسبة عالمية وهي اليوم العالمي للترجمة ويتم الاحتفال بها في 30 سبتمبر سنويا.

 
 أبرز المحطات في حياة «أبو المترجمين» في ذكرى وفاته:
 
يعد القديس جيروم واحدا من أهم علماء الكنيسة المسيحية الأولى، فترجمته للكتاب المقدس باللغة اللاتينية تعد نموذجا قياسيا على مر العصور، أما عن حياته الشخصية فقد ولد جيروم بالقرب من ليوبليانا، سلوفينيا حاليا في وقت ما حوالي عام 340 م، وهو ابن زوجين مسيحيين ثريين، بدأوا تعليمه في المنزل، ثم استكمل دراسته في روما حيث أرسله والديه عندما كان عمره حوالي 12 عامًا نظرًا لما أبداه جيروم من اهتمام شديد بالتعلم.
 
درس جيروم القواعد والبلاغة والفلسفة مع مدرسيه، وقراءة الأدب اللاتيني قدر استطاعته، وقضى وقتًا طويلًا في سراديب الموتى تحت المدينة، وقرب نهاية دراسته تم تعميده رسميًا من قبل البابا نفسه وكان حينها ليبيريوس.
 
- حلم غيّر حياته:
في أوائل عام 375، أصيب جيروم بألم شديد في جسده أخفى سره عن الجميع، فقد كان بسبب حلم، ففي إحدى الليالي حلم جيروم بأنه أصبح ذو شأن هام في البلاد، ولكن تتم تحويله إلى المحاكمة وتم نقله أمام محكمة سماوية واتُهم بأنه من أتباع شيشرون (وهو فيلسوف روماني من القرن الأول قبل الميلاد) وليس مسيحيًا، ولهذه الجريمة تم جلده بفظاعة في الحلم، وعندما استيقظ شعر بآلام في جسده لازمته لفترة طويلة، وتعهد جيروم بعدها بأنه لن يقرأ مرة أخرى في الأدب الوثني أو حتى يمتلكه، وكتب بعدها أول أعماله التفسيرية النقدية.
 
- ناسك في الصحراء:
بعد وقت قصير من هذا الحلم، قرر جيروم أن يصبح ناسكا في صحراء تشالسيس أملا في العثور على السلام الداخلي، وكتب عن تجربته بأنها رائعة، وكان حينها لا يعلم أمور الرهبنة ولكنه شد الرحال للبقاء وحيدا زاهدا في الحياة وما فيها، وكان يتحدث اللاتينية فقط وكان وحيدا بين الناطقين باليونانية والسريانية، وتعلم خلال إقامته بالصحراء اللغة العبرية من يهودي اعتنق المسيحية، وعلمه اليونانية أيضا.
 
قضى جيروم 3 سنوات في دراسة مكثفة للكتاب المقدس، تأثر خلالها بشدة بجريجوري نازيانز وجريجوري من نيسا، وسافر بعدها إلى برويا حيث كان لدى مجموعة من المسيحيين اليهود نسخة من النص العبري الذي فهموا أنه إنجيل متى الأصلي، فواصل جيروم تحسين فهمه للغة اليونانية.
 
- سكرتير البابا داماسوس:
في عام 382 عاد جيروم إلى روما وأصبح سكرتيرًا للبابا داماسوس، وحثه البابا على كتابة بعض المقاطع لشرح الكتب المقدسة، وأثناء وجوده في روما، قاد جيروم دروسًا لنساء رومانيات ممن كن مهتمات بالحياة الرهبانية، ووجد جيروم أن الكثير من رجال الدين الرومانيين كانوا فاسدين فكتب ذلك، ولهذا دعم الرهبنة، وأثار خصومة كبيرة بين الرومان، وبعد وفاة البابا داماسوس، غادر جيروم روما وتوجه إلى الأرض المقدسة.
 
- الأرض المقدسة:
سافر جيروم برفقة أربعة سيدات من روما إلى فلسطين، وزاروا كل المواقع ذات الأهمية الدينية ودرس جوانبها الروحية والأثرية، وبعد عام، استقر في بيت لحم حتى وفاته.
 
- الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس والنسخه اللاتينية للإنجيل:
خصص القديس جيروم السنوات الـ 34 الأخيرة من حياته للجزء الأهم في حياته العملية، حيث كتب التاريخ وبعض السير الذاتية والعديد من التفسيرات التوراتية، والأهم من ذلك كله، أنه أدرك أن العمل الذي بدأه في الأناجيل كان غير كافٍ، وباستخدام تلك الطبعات التي تعتبر أكثر موثوقية ، قام بمراجعة نسخته السابقة وترجم كتب العهد القديم إلى اللاتينية واستمر العمل به بمدة 10 قرون كاملة.