يواجه رئيس الوزراء الأثيوبي، آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام 2019 أزمة التي تعد الأكثر خطورة منذ توليه منصبه بعد مقتل عشرات الأشخاص في موجة من الاضطرابات العنيفة التي اجتاحت بلاده في الأسبوعين الماضيين.

وقتل 78 شخصا على الاقل بحسب الاحصاءات الرسمية في بضعة أيام خلال دوامة العنف التي لطخت سمعة آبي أحمد، الذي يواجه انتخابات مقررة في مايو من العام المقبل.

ووصفت بيلين سيوم، متحدثة باسم آبي، الأمر بأنه "عمل عنيف لا معنى له"، مضيفة بأن حصيلة القتلى قد ترتفع عن ذلك. وقالت إن 409 أشخاص اعتقلوا جراء الاضطرابات وأن ذلك الرقم أيضا قد يرتفع.

وتلقى نحو مئتي شخص العلاج في مستشفى اداما التي توفي فيها أيضا 16 شخصا، وهي ارقام غير مسبوقة بحسب العاملين في المستشفى الذين تحدثوا عن مشاهد فوضى وتدافع لتوفير أسرة ومساعدة المصابين بعد بدء التظاهرات في 23 اكتوبر، على ما قالت وكالة فرانس برس.

حصل رئيس الوزراء على جائزة نوبل عن اتفاق السلام الذي أبرمه مع إريتريا المجاورة العام الماضي، بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى السلطة. حلت الاتفاقية ما يقرب من عقدين من الجمود العسكري في أعقاب حرب حدودية انتهت في عام 2000.

كما أقدم على إجراء إصلاحات في الداخل، مما غيّر الأجواء بشكل كبير في بلد كان يعاني من قمع شديد. شملت إجراءاته رفع الحظر المفروض على الأحزاب السياسية، والإفراج عن الصحفيين المسجونين، وطرد المسؤولين الذين لم يُسمع عنهم من قبل، والذين اتهم بعضهم بالتعذيب.

وكان آبي أحمد، وهو ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الأثيوبية، قد رسم خطا عن حكمه وحكم السابقين عنه بتنصله من الانتهاكات التي جرت في الماضي. وأيضا عين منشقين سابقين وأعداد كبيرة من النساء في مواقع بارزة في حكومته.

احراج كبير
لكن الاحتجاجات والعنف المصاحب لها شكل إحراجا كبيرا لرئيس الوزراء البالغ من العمر 43 عاما ولحطخت سمعته كحاكم إصلاحي في قارة تعج بالديكتاتوريات، خاصة بلاده التي عانت بلاده من عقود من الحكم الاستبدادي.

وكانت شرارة تلك الموجة من الاضطرابات مع اتهام الناشط جوهر محمد وهو مثل آبي أحمد من الأورومو التي تعد الأكبر في البلاد، السلطات بمحاولة التعرض له.

وآبي هو أبي هو أول زعيم للبلاد من عرقية أورومو، والذين ظلوا يشتكون منذ فترة طويلة من التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي.

خرج أنصار جوهر إلى الشوارع الأسبوع الماضي في احتجاجات. وسرعان مع عبرت حشود من الشباب من الأورومو عن غضبهم من آبي، بحجة أن رئيس الوزراء خانهم باساءة معاملة جوهر.

ونفت حكومة آبي محاولة استهداف جوهر، الذي وجه انتقادات شديدة مؤخرا لسياسات رئيس الوزراء.

كان جوهر وهو صاحب وسائل اعلام وشخصية مثيرة للجدل، ساعد ابيي على الوصول الى الحكم في 2018. لكنه ابتعد عنه لاحقا ما قد يؤثر على شعبيته بين الاورومو. ويقل ناقدون إن جوهر شخصية مثيرة للانقسام.

وصرخ المحتجون في وجه آبي أحمد يوم الخميس أثناء زيارته لمنطقة أمبو، التي شهدت أعمال العنف، على بعد 80 كيلومترا غرب العاصمة أديس أبابا.

ويقول محللون إن إصلاحات رئيس الوزراء رفعت حدة التوترات التي تم قمعها منذ فترة طويلة بين العديد من الجماعات العرقية في البلاد.

وروى تيميجين ابابا (17 عاما) انه كان يمر أمام جمع من المتظاهرين عندما اطلقت قوات الامن النار وأصابت طفلا في الثامنة من العمر. وعندما هرع لمساعدة الطفل اصيب في الصدر، بحسب وكالة فرانس برس.

وتساءل من على سرير في مستشفى "كيف يمكن ان يعتبر إطلاق النار على أناس مثله، ردا متناسبا" مع الوقائع.

وقالت اللجنة الاثيوبية لحقوق الانسان إن عشرة من قتلى الاسبوع الماضي قتلوا برصاص قوات الأمن ما يعني ان غالبية القتلى قتلوا بسبب المشاغبين. وهاجم قوميون من الأورومو سائقي عربة توك توك بعد ان سالوهم ان كانوا يتحدثون واحدة من أبرز لهجات الاتنية.

وحين علموا انهم لا يتحدثون تلك اللغة طعنوهم وضربوهم قبل ان يتركوهم فاقدي الوعي على حافة الطريق مع جروح وكدمات في الوجه والذراعين.

وكان أحدهم نصف أورومي لكنه يتحدث بشكل ركيك اللغة بحسب شقيقه بيروك تيسومي، وآخر وهو قريب لهم من اتنية الأمهرة. ونجا كلاهما لكن بيروك أكد انه قلق على المستقبل.

وقال الباحث فيسيها تيكلي "تشكل اداما بوتقة للمجموعات الاتنية والدينية (..) بالتالي يمكن أن تكون حوادث العنف هذه التي مردها الدين والاتنية بالغة الخطورة". وأضاف محذرا "يمكن أن تكون مؤشرا منبئا بفظاعات جماعية".
هجمات على الكنائس ومساجد

وطالت الهجمات أيضا بعض الكنائس والمساجد.
وقال متحدث باسم الكنسية الأرثوذكسية السبت إن 52 مسيحيا أرثوذكسيا بين ضحايا أعمال العنف. ولم يكن هناك احصاءات رسمية عن الهجمات على المسيحيين.

وترتبط الكنيسة الأرثوذكسية التي تمثل نحو 40 بالمئة من نحو 110 ملايين أثيوبي، بشكل كبير باتنية الأمهرة. وبحسب احصاء 2017 فان 82 بالمئة من الأمهرة من الارثوذكس. وقد عبرت الكنيسة عن انتقادات مماثلة.

وبين قوميي اورومو والامهرة تاريخ طويل من العداوة في بلد ممزق جدا يكون التداخل فيه في كثير من الاحيان كبير بين الاتنية والديانة.

وبحسب ادارة مستشفى اداما فان الكثير من الذين تلقوا العلاج هم من الاورومو ما يعني ان الذين لا ينتمون إلى هذه الاتنية لم يكونوا المستهدفين الوحيدين.

وتلقى نحو مئتي شخص العلاج في مستشفى اداما وتوفي 16 فيه، وهي ارقام غير مسبوقة بحسب العاملين في المستشفى الذين تحدثوا عن مشاهد فوضى وتدافع لتوفير أسرة ومساعدة المصابين بعد بدء التظاهرات في 23 اكتوبر، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

وقال الجراح ديسالين فيكادو "نحن محترفون لكن رغم ذلك كنا جميعنا قلقين".

وأضاف أن معظم الناس واقعون تحت ضغط بما فيهم العاملون في المشفى "لأن ذلك كان فجأة وهي المرة الأولى التي نشهد فيها مثل ذلك الأمر في هذه البلدة."

إشارات مقلقة
هناك إشارات مقلقة على أن آبي قد يتحرك الآن لإغلاق المجال السياسي الذي انفتح منذ توليه السلطة، مثل خطابه الأسبوع الماضي الذي انتقد فيه جوهر بشكل غير مباشر.

مع اقتراب موعد الانتخابات في العام المقبل، يجب على رئيس الوزراء الموازنة بين مطالب الحريات السياسية وبين الحاجة إلى كبح جماح الجهات الفاعلة السياسية التي تقوم بتعبئة الهويات العرقية من خلال المطالبة بمزيد من فرص الوصول إلى الأرض والسلطة والموارد لمجتمعاتهم.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن خلاف أبيي مع جوهر يعقد أيضا خططه لمتابعة إصلاحات مثيرة للجدل مثل تحويل الائتلاف الحاكم في إثيوبيا إلى حزب سياسي.

ويتألف ذلك التحالف مع أربعة أحزاب ويتولى السلطة منذ الإطاحة بالديكتاتورية الماركسية في 1991. ومؤخرا أعرب مسؤولون عن غضبهم من بعض وسائل الإعلام التي وصفوها بغير المهنية والتحزبية.

يشار إلى أن التحول الاقتصادي في إثيوبيا هو إحدى قصص النجاح في القارة الأفريقية، لكن الأمر في ذلك البلد المحوري في المنطقة يمكن أن يتجه بسهولة إلى الاضطرابات وأعمال عنف واسعة النطاق.