تأملات فى قرأت الاحد 27 اكتوبر 2019

الأب أثناسيوس حنين
كالعادة تأسرنى الكلمة الألهية فى الليتورجية ’ وهل هناك قرأة حقيقية ممكنة ومستقيمة للانجيل خارج الليتورجية ’ اذ لفتنى وأنا أقراء انجيل سحرية (باكر)صورة ألمرأة - الصبية مريم التى "تبكى" أمام قبر فارغ وتشكو للقاضى والدانى همومها ووسط دموعها لم تتعرف حتى على الملاكين اللذان سألاها عن سبب بكائها فأجابت " قد أخذوا سيدى ولست أعلم أين وضعوه "(يوحنا 20’11-18).الدموع اليائسة أمام قبر فارغ قد تحولنا الى الهذيان وربما الانتحار النفسى أو الفعلى ! تحجب عنا رؤية حتى الملائكة !وردت كلمة دموع فى الكتاب المقدس حوالى31مرة منها 19فى العهد القديم و12 فى الجديد . ووردت كثيرا فى حياة والام ورؤى الاباء شيوخ البرية هؤلاء الذين يزرعون بالدموع نسكا وحبا وعلما ويحصدون كشفا ولاهوتا وشهادة’ لهذا ليست مصادفة ان الرسالة فى هذا اليوم يتحدث فيها بولس الى الكورنثيين عن "فرط الاعلانات " التى اغتصبها من السماء بدموع كثيرة’ ولم يكتب بولس لاهوتا نظريا ولا لاهوتا مكتبيا ولكن كتب ما كتب " بدموع كثيرة" 2كو 2 :4 وتلاميذ بولس كتبوا بالدموع "أراك ذاكرا دموعك " 2 تى 1 "4 ومن هنا عنونا تأملنا "لاهوت الدموع " . لأننا كثيرا ما نهرول وراء رؤية يوحنا ومحاججات بولس وذكاء اثناسيوس وعلم باسيليوس وموسيقى الدمشقى البيزنطية وكبار الوعاظ وفلان وعلان ’ وقلما نلتفت الى دموع هذه المرأة التى غيرت خريطة المسيحية الناشئة ومسار الكنيسة الاولى و أنتزعت الرؤية من قبر فارغ ’ بدموعها ’ والتى أهلتها لرؤية السيد بنفسه يناديها بأسمها ’ والاسم عند العبرانيين هو الشخص بكامله ’ ويرسلها للشهادة "أن أذهبى الى أخوتى وقولى لهم ..."ألعله قد أصابنا داء التهود الذى جعل تلاميذ يسوع يتعجبون من أنه يتكلم مع أمرأة (يوحنا 4 ) والتى صارت ’على عكس توقعات المجتمع الذكورى المتهود ومنه تلاميذ المسيح ’ نقول صارت مبشرة بناسوت بلاهوت المسيح المعلن فى ناسوته فى اعتراف سبق بل واسس لاعترافات ولاهوتيات المجامع المسكونية السبع حينما صرخت بأن "انسانا قال لى كل ما فعلت ألعله هو المسيح " وهنا خرج الشعب ولم يركضوا ورائها مهما كانت قداستها بل "خرجوا من المدينة وأتوا اليه " يوحنا 4 :30 "هى كانت وسيلة نبيلة والهدف هو يسوع !.

والعجيب هو أن الكنيسة البيزنطية تعيد وتحتفى اليوم فى السنكسار لزوجة بيلاطس ’ كبير القضاة ’ والتى حذرت زوجها " بدموع" من أن يمد يده على يسوع البارغير عابئة بنتيجة فعلتها هذه مع زوج يمكن أن يعطيها فى لحظة كتاب طلاق ! (متى 27 :19).فاتنا أن نقول بأن يسوع نفسه’ حسب بولس الباكى ’ هو الكاهن على رتبة ملكى صادق والذى لم يأخذ كهنوته بأى شكل من الأشكال المعروفة ’ سواء قانونية أو غير قانونية أو سيمونية’ حسب ما نسمع هذه الأيام من شهود عيان ’ خلال التاريخ الطويل القديم والحديث ’ بل "فى أيام جسده قدم بصراخ ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه " عب 5 :7 .لقد صارت دموع يسوع عثرة كبيرة امام الكثيرين خلال تاريخ الكنيسة وأدت الى هرطقات أدانتها المجامع المسكونية وما زال الوعاظ الثقاة يتحاشون الخوض فى تفسيرها خوفا من أتهامهم بأنهم يعبدون "ألها يبكى " أليس التبشير باله يبكى خيرا من الأفتخار باله "يقتل " وينزع من الانسان أعز عطية منحتها له السماء وهى حريته فى أن يبكى ويصنع من دموعه لاهوتا !!!.

لقد صدم بولس العبرانيين ’ ومن على شاكلتهم ’ الذين يؤمنون باله منتقم جبار يميت من يشاء ويحيى من يشاء ويسمح ويمنع بلا اشراك للانسان فى قراراته التعسفية !’ بأن قدم لهم ألها يبكى معهم أى شريكا لهم فى حوار رائع وحرية وما أروع .ولكن متى بكى يسوع الاله؟ يجيب بولس "فى ايام جسده" أى من لحظه التحافه ببشريتنا ’ وسكناه فى حيينا وفينا كما تعنى اية يوحنا فى اللغة الاصلية وصرنا فيه ’ وحل فينا ’ بل وصار أخا لنا نحن الذين سبق فعيينا لنكون مشابهين صورة ابنه ليكون بكرا بين اخوة كثيرين (رومية 8: 28)’ وصار لنا به قدوما لدى الأب ’ وصارت تقواه هى تقوانا ودموعه هى دموعنا والامه الامنا وقايمته قيامتنا ’ ولاهوته هو ناسوتنا وناسوتنا هو لاهوته ’ بلا تغيير فى أحدهما ولا امتزاج ولا خلط فى الادوار بل فى تبادل الخواص فى اتحاد كامل فى شخص يسوع المسيح الواحد حسب المجمع المسكونى الرابع’ بل وصارت لنا نحن الذين نطيعه سبب خلاص أبدى . لقد بكى يسوع مرتان ’مرة وهو يقترب من أورشليم وحسب لوقا "وفيما هو يقترب نظر الى المدينة وبكى عليها " السبب أنها لا تعلم يمينها من شمالها ولا تعرف زمان افتقادها والنتيجة الحتمية هى أنهم حولوا بيت الصلاة ’ بيت الرب ’ الى مغارة لصوص ومنهم كهنة ورؤساء كهنة وهم لا يخجلون (لوقا 19 :41 -46)’لأن شعبه المدينة المقدسة لا يقرأ التاريخ وان قرأ لا يفهم وان فهم يفهم حسب أوجاعه وشهواته وليس حسب المسيح - اللوغوس ! ومرة أخربكى يسوع على قبر صديقه لعازر (يوحنا 11) ولكنه وضع بدموعه اللبنات الاولى للاهوت الدموع .

الشئ المدهش ان الذى انتزع دموع يسوع هم أمرأئتان أيضا ’الاختان مريم ومرثا وهنا أصلح الانجيل مفهومنا الموروث عن مرثا التى تهتم وترتبك لامور كثيرة بينما الحاجة الى واحد ’ ليتحول حب مرثا للخدمة للحركة والنشاط وموهبتها فى طرح الاسئلة المصيرية ’ الى أن تخرج اولا لتلتقى يسوع وقالت له فى لهجة عتاب شديد " يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخى " بينما مريم فاستمرت جالسة فى البيت ’ لا يشكل الجلوس فى البيت ’ وحده ’ خلاصة العمل اللاهوتى وجوهر الخدمة بل الحركة والخروج للقاء السيد بالدموع والسؤال الجذرى !

يختم انجيل القداس من لوقا 8 :41 -56 تأملنا عن لاهوت الدموع بأية أو عجيبة شفاء ابنة يايروس وهو من الوجهاء فى الدنيا والأخرة اذ كان يؤم العبرانيين فى الصلاة فى المجمع ’ هذا العظيم فى اليهودية جاء "ووقع عند قدمى يسوع " الأمر الذى يكلفه الكثير بسبب من وضعه الدينى والاجتماعى ’ وحينما ذهب يسوع الى بيته "كان الجميع يبكون عليها ويلطمون " فقال يسوع ’ وربما ولأول مرة ’ " لا تبكوا .لم تمت لكنها نائمة " .

الدموع هى جرن اللاهوت وشحذ وطراواة الفكر وانكسار القلب ورهافة الحس وحرارة البشارة وسهر الصلاة والدراسة والقرأة والتواضع حتى الامحاء .

الخادم الباكى يتحول الى لاهوتى ومبشر يرثى لحال الشعب الجالس فى كثرة معاصيه وشروره مع أرميا ’ النبى الباكى واللاهوتى صارخا " يا ليت رأسى ماء وعينى ينبوع دموع فأبكى نهارا وليلا على قتلى بنت شعبى " أرميا 9 :1 . وهل نسينا بأن اللاهوتى يوحنا قد أخذ القوة (الذيناميس ) على أن يفتح السفر ’ سفر كلمة الحياة ’ ويقرائه بعد أن صار "يبكى كثيرا لأنه لا يوجد أحد مستحقا " جائه صوت أحد الشيوخ وهنا أهمية الشركة مع الشيوخ المختبرين ’ "لا تبك " وعرفه سر الحمل المذبوح .(رؤيا 5:1-5) .وهل أختلفت الأمور اليوم كثيرا ! الحاجة اليوم ’ ماسة الى لاهوت الدموع وكل هذه من قرأة وبحث وتأليف ونشر وحوارات واحتجاجات وتساؤلات وانتقادات ذاتية او وموضوعية ’ تزاد (بضم التاء وفتح الزين ) لنا .أمين